للذين آمنوا) لو كانوا محتاجين إلى الاستغفار لبدأ وا في ذلك بأنفسهم لان دفع الضرر عن النفس مقدم على دفع الضرر عن الغير، وقال عليه الصلاة والسلام ابدأ بنفسك ثم بمن تعول وهذا يدل على أن الملك أفضل من البشر، ولقائل أن يقول: هذا الوجه لا يدل على أن الملائكة لم يصدر عنهم الزلة البتة وأن البشر قد صدرت الزلات عنهم، لكنا بينا فيما تقدم أن التفاوت في ذلك لا يوجب التفاوت في الفضيلة، ومن الناس من قال إن استغفار هم للبشر كالعذر عمن طعنوا فيهم بقولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها) الحجة الثالثة عشرة: قوله تعالى (وإن عليكم الحافظين كراما كاتبين) وهذا عام في حق جميع المكلفين من بني آدم فدخل فيه الأنبياء وغيرهم وهذا يقتضى كونهم أفضل من البشر لوجهين. الأول: أنه تعالى جعلهم حفظة لبني آدم والحافظ للمكلف من المعصية لا بد وأن يكون أبعد عن الخطا والزلل من المحفوظ، وذلك يقتضى كونهم أبعد من المعاصي وأقرب إلى الطاعات من البشر وذلك يقتضى مزيد الفضل، والثاني: أنه سبحانه وتعالى جعل كتابتهم حجة للبشر في الطاعات وعليهم في المعاصي، وذلك يقتضى أن يكون قولهم أولى بالقبول من قول البشر ولو كان البشر أعظم حالا منهم لكان الامر بالعكس. ولقائل أن يقول أما قوله الحافظ يجب أن يكون أكرم من المحفوظ فهذا بعيد فان الملك قد يوكل بعض عبيدة على ولده ولا يلزم أن يكون الحافظ أشرف من المحفوظ هناك، أما قوله: جعل شهادتهم نافذة على البشر فضعيف، لان الشاهد فد يكون أدون حالا من المشهود عليه. الحجة الرابعة عشرة: قوله تعالى (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواب) والمقصود من ذكر أحوالهم المبالغة في شرح عظمة الله تعالى وجلاله ولو كان في الخلق طائفة أخرى قيامهم وتضرعهم أقوى في الانباء عن عظمة الله وكبريائه من قيامهم لكان ذكرهم أولى في هذا المقام، ثم كما أنهم سبحانه بين عظمة ذاته في الآخرة بذكر الملائكة فكذا بين عظمته في الدنيا بذكر الملائكة وهو قوله (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم) ولقائل أن يقول: كل ذلك يدل على أنهم أزيد حالا من البشر في بعض الأمور فلم لا يجوز أن تلك الحالة هي قوتهم وشدتهم وبطشهم، وهذا كما يقال إن السلطان لما جلس وقف حول سريره ملوك أطراف العالم خاضعين خاشعين فان عظمة السلطان إنما تشرح بذلك ثم إن هذا لا يدل على أنهم أكرم عند السلطان من ولده فكذا ههنا. الحجة الخامسة عشرة: قوله تعالى (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) فبين تعالى أنه لا بد في صحة الايمان من الايمان بهذه الأشياء ثم بدأ بنفسه وثنى بالملائكة وثلث بالكتب وربع بالرسل وكذا في قوله (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم) وقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي) والتقديم في الذكر يدل على التقديم في الدرجة ويدل عليه أن تقديم الأدون على الأشرف في الذكر قبيح عرفا، فوجب أن يكون قبيحا شرعا، أما أنه قبيح عرفا فلان الشاعر قال: -
(٢٢٥)