أن يكون المراد أن النهى مخص بالملائكة والخالدين دونكما، هذا كما يقول أحدنا لغيره ما نهيت أنت عن كذا إلا أن تكون فلانا ويكون المعنى أن النهى هو فلان دونك ولم يرد إلا أن ينقلب فيصير فلانا، ولما كان غرض إبليس إيقاع الشبهة بهما فمن أوكد الشبهة إبهام أنهما لم ينهيا وإنما المنهي غيرهما، وأيضا فهب أن الآية تدل على أن الملك أفضل من آدم فلم قلت إنها تدل على أن الملك أفضل من محمد؟ وذلك لان المسلمين أجمعوا على أن محمدا أفضل من آدم عليهما السلام ولا يلزم من كون الملك أفضل من المفضول كونه أفضل من الأفضل، وتاسعها: قوله تعالى (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك). ولقائل أن يقول يحتمل أن يكون المراد ولا أقول لكم إني ملك في كثرة العلوم وشدة القدرة والذي يدل على صحة هذا الاحتمال وجوه. الأول: وهو أن الكفار طالبوه بالأمور العظيمة نحو صعود السماء ونقل الجبال وإحضار الأموال العظيمة وهذه الأمور لا يمكن تحصيلها إلا بالعلوم الكثيرة والقدرة الشديدة. الثاني: أن قوله (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله) هذا يدل على اعترافه بأنه غير قادر على كل المقدورات وقوله (ولا أعلم الغيب) يدل على اعترافه بأنه غير عالم بكل المعلومات ثم قوله (ولا أقول لكم إني ملك) معناه والله أعلم وكما لا أدعى القدرة على كل المقدورات والعلم بكل المعلومات فكذلك لا أدعى قدرة مثل قدرة الملك ولا علما مثل علومهم الثالث: قوله (ولا أقول لكم إني ملك) لم يرد به نفى الصورة لأنه لا يفيد الغرض وإنما نفى أن يكون له مثل ما لهم من الصفات وهذا يكفي في صدقه أن لا يكون له مثل ما لهم ولا تكون صفاته مساوية لصفاتهم من كل الوجوه ولا دلالة فيه على وقوع التفاوت في كل الصفات فان عدم الاستواء في الكل غير، وحصول الاختلاف في الكل غير. وعاشرها: قوله تعالى (ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم). فان قيل لم لا يجوز أن يكون المراد وقوع التشبيه في الصورة والجمال. قلنا: الأولى أن يكون التشبيه واقعا في السيرة لا في الصورة لأنه قال (إن هذا إلا ملك كريم) فشبه بالملك الكريم والملك إنما يكون كريما بسيرته المرضية لا بمجرد صورته فثبت أن المراد تشبيه بالملك في نفى دواعي البشر من الشهوة والحرص على طلب المشهي وإثبات ضد ذلك وهي حالة الملك وهي غض البصر وقمع النفس عن الميل إلى اختصاص الملائكة بدرجة فائقة على درجات البشر. ولقائل أن يقول: إن قول المرأة (فذلكن الذي لمتنني فيه) كالصريح في أن مراد النساء بقولهن (إن هذا إلا ملك كريم) تعظيم حال يوسف في الحسن والجمال لا في السيرة، لان ظهور عذرها في شدة عشقها، إنما يحصل بسبب فرط يوسف في الجمال لا بسبب فرط زهده وورعه. فان ذلك لا يناسب شدة عشقها له. سلمنا أن المراد تشبيه يوسف عليه السلام بالملك في الاعراض عن المشتهيات، فلم قلت يجب أن يكون يوسف عليه
(٢٢٣)