لغوا ولا تأثيما الا قيلا سلاما سلاما) وقال تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض) وقال تعالى (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطا) وأيضا فلأنه كان جنيا واحدا بين الألوف من الملائكة، فغلبوا عليه في قوله (فسجدوا) ثم استثنى هو منهم استثناء واحد منهم، لأنا نقول: كل واحد من هذين الوجهين على خلاف الأصل، فلذلك إنما يصار إليه عند الضرورة، والدلائل التي ذكرتموها في نفى كونه من الملائكة، ليس فيها إلا الاعتماد على العمومات، فلو جلعناه من الملائكة لزم تخصيص ما عولتم عليه من العمومات، ولو قلنا إنه ليس من الملائكة. لزمنا حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع، ومعلوم أن تخصيص العمومات أكثر في كتاب الله تعالى من حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع فكان أولى. وأيضا فالاستثناء مشتق من الثنى والصرف ومعنى الصرف انما يتحقق حيث لولا الصرف لدخل والشيء لا يدخل في غير جنسه فيمتنع تحقق معنى الاستثناء فيه، وأما قوله إنه جنى واحد بين الملائكة فنقول إنما يحرز اجزاء حكم الكثير على القليل إذا كان ذلك القليل ساقط العبرة غير ملتفت إليه وأما إذا كان معظم الحديث لا يكون إلا عن ذلك الواحد لم يجز اجراء حكم غيره عليه (الحجة الثانية) قالوا لم يكن إبليس من الملائكة لما كان قوله (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) متناولا له، ولو لم يكن متناولا له لاستحال أن يكون تركه للسجود إباء واستكبارا ومعصية ولم اسحق الذم والعقاب، وحيث حصلت هذه الأمور علمنا أن ذلك الخطاب يتناوله ولا يتناوله ذلك الخطاب إلا إذا كان من الملائكة، لا يقال إنه وإن لم يكن من الملائكة إلا أنه نشأ معهم وطالت مخالطته بهم والتصق بهم، فلا جرم يتناوله ذلك الخطاب وأيضا فلم لا يجوز أن يقال: إنه وإن لم يدخل في هذا الامر، ولكن الله تعالى أمره بالسجود بلفظ آخر ما حكاه في القرآن بدليل قوله (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك) لأنا نقول: أما الأول فجوابه أن المخالطة لا توجب ما ذكرتموه، ولهذا قلنا في أصول الفقه إن خطاب الذكور لا يتناول الإناث وبالعكس مع شده المخالطة بين الصنفين، وأيضا فشده المخالطة بين الملائكة، وأما الثاني فجوابه أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية فلما ذكر قوله أبى واستكبر عقيب قوله (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) أشعر هذا التعقيب بأن هذا الاباء إنما حصل بسبب مخالفة هذا الامر لا بسبب مخالفة أمر آخر فهذا ما عندي في الجانبين والله أعلم بحقائق الأمور (المسألة الرابعة) اعلم أن جماعة من أصحابنا يحتجون بأمر الله تعالى للملائكة بسجود آدم عليه السلام على آدم أفضل من الملائكة فرأينا أن نذكر ههنا هذه المسألة فنقول: قال أكثر أهل السنة: الأنبياء أفضل من الملائكة وقالت المعتزلة بل الملائكة أفضل من الأنبياء. وهو قول جمهور الشيعة) وهذا القول اختيار القاضي أبى بكر الباقلاني من المتكلمين منا وأبى عبد الله الحليمي من
(٢١٥)