تنازع الله.
قلنا لما عبدوها وسموها آلهة أشبهت حالهم حال من يعتقد أنها آلهة قادرة على منازعته فقيل لهم ذلك على سبيل التهكم وكما تهكم بلفظ الند شنع عليهم بأنهم جعلوا أندادا كثيرة لمن لا يصلح أن يكون له ند قط، وقرأ محمد بن السميفع فلا تجعلوا لله ندا. السؤال الثالث: ما معنى * (وأنتم تعلمون) * الجواب: معناه إنكم لكمال عقولكم تعلمون أن هذه الأشياء لا يصح جعلها أندادا لله تعالى، فلا تقولوا ذلك فإن القول القبيح ممن علم قبحه يكون أقبح وههنا مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنه ليس في العالم أحد يثبت لله شريكا يساويه في الوجود والقدرة والعلم والحكمة، وهذا مما لم يوجد إلى الآن لكن الثنوية يثبتون إلهين: أحدهما: حليم يفعل الخير والثاني: سفيه يفعل الشر، وأما اتخاذ معبود سوى الله تعالى ففي الذاهبين إلى ذلك كثرة، الفريق الأول: عبدة الكواكب وهم الصابئة، فإنهم يقولون إن الله تعالى خلق هذه الكواكب، وهذه الكواكب هي المدبرات لهذا العالم، قالوا فيجب علينا أن نعبد الكواكب، والكواكب تعبد الله تعالى. والفريق الثاني: النصارى الذين يعبدون المسيح عليه السلام. والفريق الثالث: عبدة الأوثان، واعلم أنه لا دين أقدم من دين عبدة الأوثان، وذلك لأن أقدم الأنبياء الذين نقل إلينا تاريخهم هو نوح عليه السلام، وهو إنما جاء بالرد عليهم على ما أخبر الله تعالى عن قومه في قوله: * (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) * (نوح: 23) فعلمنا أن هذه المقالة كانت موجودة قبل نوح عليه السلام. وهي باقية إلى الآن بل أكثر أهل العالم مستمرون على هذه المقالة. والدين والمذهب الذي هذا شأنه يستحيل أن يكون بحيث يعرف فساده بالضرورة لكن العلم بأن هذا الحجر المنحوت في هذه الساعة ليس هو الذي خلقني وخلق السماوات والأرض علم ضروري فيستحيل إطباق الجمع العظيم عليه، فوجب أن يكون لعبدة الأوثان غرض آخر سوى ذلك والعلماء ذكروا فيه وجوها: أحدها: ما ذكره أبو معشر جعفر بن محمد المنجم البلخي في بعض مصنفاته أن كثيرا من أهل الصين والهند كانوا يقولون بالله وملائكته ويعتقدون أن الله تعالى جسم وذو صورة كأحسن ما يكون من الصور، وهكذا حال الملائكة أيضا في صورهم الحسنة، وأنهم كلهم قد احتجبوا عنا بالسماء وأن الواجب عليهم أن يصوغوا تماثيل أنيقة المنظر حسنة الرواء على الهيئة التي كانوا يعتقدونها من صور الإله والملائكة، فيعكفون على عبادتها قاصدين طلب الزلفى إلى الله تعالى وملائكته فإن صح ما ذكره أبو معشر فالسبب في عبادة الأوثان اعتقاد الشبه. وثانيها: ما ذكره أكثر العلماء وهو أن الناس رأوا تغيرات أحوال هذا العالم مربوطة بتغيرات أحوال الكواكب فإن بحسب قرب الشمس وبعدها عن سمت الرأس تحدث الفصول المختلفة والأحوال المتباينة، ثم إنهم رصدوا أحوال سائر الكواكب فاعتقدوا ارتباط السعادة والنحوسة في الدنيا بكيفية وقوعها في طوالع الناس فلما اعتقدوا ذلك بالغوا في تعظيمها، فمنهم من اعتقد أنها أشياء واجبة الوجود لذواتها وهي التي خلقت هذه العوالم، ومنهم من اعتقد أنها مخلوقة للإله الأكبر لكنها خالقة لهذا العالم، فالأولون