الحادث بالأمور سواء كان ذلك العلم ضروريا أو استدلاليا، فيقول القائل: تيقنت ما أردته بهذا الكلام وإن كان قد علم مراده بالاضطرار، ويقول تيقنت أن الإله واحد وإن كان قد علمه بالاكتساب؛ ولذلك لا يوصف الله تعالى بأنه يتيقن الأشياء.
المسألة الثالثة: أن الله تعالى مدحهم على كونهم متيقنين بالآخرة، ومعلوم أنه لا يمدح المرء بأن يتيقن وجود الآخرة فقط، بل لا يستحق المدح إلا إذا تيقن وجود الآخرة مع ما فيها من الحساب والسؤال وإدخال المؤمنين الجنة، والكافرين النار. روى عنه عليه السلام أنه قال: " يا عجبا كل العجب من الشاك في الله وهو يرى خلقه، وعجبا ممن يعرف النشأة الأولى ثم ينكر النشأة الآخرة، وعجبا ممن ينكر البعث والنشور وهو في كل يوم وليلة يموت ويحيا - يعني النوم واليقظة - وعجبا ممن يؤمن بالجنة وما فيها من النعيم ثم يسعى لدار الغرور، وعجبا من المتكبر الفخور وهو يعلم أن أوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة ".
* (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) *.
اعلم أن في الآية مسائل:
المسألة الأولى: في كيفية تعلق هذه الآية بما قبلها وجوه ثلاثة: أحدها: أن ينوي الابتداء * (بالذين يؤمنون بالغيب) * (البقرة: 3) وذلك لأنه لما قيل: * (هدى للمتقين) * (البقرة: 2) فخص المتقين بأن الكتاب هدى لهم كان لسائل أن يسأل فيقول: ما السبب في اختصاص المتقين بذلك؟ فوقع قوله: * (الذين يؤمنون بالغيب) * إلى قوله: * (وأولئك هم المفلحون) * جوابا عن هذا السؤال، كأنه قيل: الذي يكون مشتغلا بالإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والفوز بالفلاح والنجاة لا بد وأن يكون على هدى من ربه. وثانيها: أن لا ينوي الابتداء به بل يجعله تابعا * (للمتقين) * ثم يقع الابتداء من قوله: * (أولئك على هدى من ربهم) * كأنه قيل أي سبب في أن صار الموصوفون بهذه الصفات مختصين بالهدى؟ فأجيب بأن أولئك الموصوفين غير مستبعد أن يفوزوا دون الناس بالهدى عاجلا وبالفلاح آجلا. وثالثها: أن يجعل الموصول الأول صفة * (المتقين) * ويرفع الثاني على الابتداء و * (أولئك) * خبره ويكون المراد جعل اختصاصهم بالفلاح والهدى تعريضا بأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ظانون أنهم على الهدى وطامعون أنهم ينالون الفلاح عند الله تعالى.
المسألة الثانية: معنى الاستعلاء في قوله: * (على هدى) * بيان لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه حيث شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه ونظيره " فلان على الحق، أو على الباطل " وقد صرحوا به في قولهم: " جعل الغواية مركبا، وامتطى الجهل " وتحقيق القول في كونهم على الهدى تمسكهم بموجب الدليل، لأن الواجب على المتمسك بالدليل أن يدوم على ذلك ويحرسه