القسم الأول حتى يلزم أن يكونوا أفضل من الأنبياء، وسادسها أن الملائكة أتقى من البشر فوجب أن يكونوا أفضل من البشر أما أنهم أتقى فلأنهم مبرؤون عن الزلات وعن الميل إليها لان خوفهم دائم وإشفاق ينافيان العزم على العصية وأما الأنبياء عليهم السلام فهم مع أنهم أفضل البشر ما خلا كل واحد منهم عن نوع زلة وقال عليه الصلاة والسلام ما منا من أحد إلا عصى أوهم بمعصية غير يحيى ابن زكريا عليهما السلام فثبت أن تقوى الملائكة أشد فوجب أن يكونوا أفضل من البشر لقوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فان قيل: إن قوله (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) خطاب مع الآدميين فلا يتناول الملائكة وأيضا فالتقوى مشتق من الوقاية ولا شهوة في حق الملائكة فيستحيل تحقق التقوى في حقهم. والجواب عن الأول: أن ترتيب الكرامة أكثر. وعن الثاني: لا نسلم عدم الشهوة معللة بالتقوى فحيث كانت التقوى أكثر كانت الكرامة أكثر. وعن الثاني: لا نسلم عدم الشهوة في حقهم لكن لا شهوة لهم إلى الاكل والمباشرة ولكن لا يلزم من عدم شهوة معينة عدم مطلق الشهوة بل لهم شهوة التقدم والترفع ولهذا قالوا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) وقال تعالى (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم) ولقائل أن يقول الحديث الذي ذكرتم يدل على أن يحيى عليه السلام كان أتقى من سائر الأنبياء فوجب أن يكون أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم وذلك باطل بالاجماع فعلمنا أن لا يلزم من زيادة التقوى زيادة الفضل وتحقيقه ما قدمنا أن من المحتمل أن يكون إنسان لم تصدر عنه المعصية قط وصدر عنه من الطاعات ما استحق به مائة جزء من الثواب وإنسان آخر صدرت عنه معصية ثم أتى بطاعة استحق بها ألف جزء من الثواب فيقابل مائة جزء من الثواب بمائة جزء من العقاب فيبقى له تسعمائة جزء من الثواب فهذا الانسان مع صدور المعصية منه يكون أفضل من الانسان الذي لم تصدر المعصية عنه قط وأيضا فلا نسلم أن تقوى الملائكة أشد وذلك لان التقوى اشتق من الوقاية والمقتضى للمعصية في حق بني آدم أكثر فكان تقوى المتقين منهم أكثر، قوله ان الملائكة لهم شهوة الرياسة قلنا هذا لا يضرنا وذلك لان هذه الشهوة حاصلة للبشر أيضا وقد حصلت لهم أنواع أخر من الشهوات وهي شهوة البطن والفرج وإذا كان كذلك كانت الشهوات الصارفة عن الطاعات أكثر في بني آدم فوجب أن تكون تقوى المتقين منهم أشد. وسابعها: قوله تعالى (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون) وجه الاستدلال أن قوله تعالى (ولا الملائكة المقربون) خرج مخرج التأكيد للأول ومثل هذا التأكيد إنما يكون بذكر الأفضل يقال هذه الخشبة لا يقدر على حملها العشرة ولا المائة ولا يقال لا يقدر على حملها العشرة ولا الواحد ويقال هذا العالم لا يستنكف عن خدمته الوزير ولا الملك ولا يقال لا يستنكف عن خدمته الوزير ولا البواب. ولقائل أن يقول هذه الآية إن دلت فإنما تدل على فضل الملائكة المقربين على المسيح
(٢٢٠)