العالم إلى الصانع المختار المنزه عن الجسمية يبطل القول بعبادة الأوثان على كل التأويلات والله أعلم.
المسألة الثالثة: اعلم أن اليونانيين كانوا قبل خروج الإسكندر عمدوا إلى بناء هياكل لهم معروفة بأسماء القوى الروحانية والأجرام النيرة واتخذوها معبودا لهم على حدة، وقد كان هيكل العلة الأولى - وهي عندهم الأمر الإلهي - وهيكل العقل الصريح، وهيكل السياسة المطلقة. وهيكل النفس والصورة مدورات كلها، وكان هيكل زحل مسدسا. وهيكل المشتري مثلثا.
وهيكل المريخ مستطيلا، وهيكل الشمس مربعا، وكان هيكل الزهرة مثلثا في جوفه مربع وهيكل عطارد مثلثا في جوفه مستطيل، وهيكل القمر مثمنا فزعم أصحاب التاريخ أن عمرو بن لحي لما ساد قومه وترأس على طبقاتهم وولي أمر البيت الحرام اتفقت له سفرة إلى البلقاء فرأى قوما يعبدون الأصنام فسألهم عنها فقالوا هذه أرباب نستنصر بها فننصر، ونستستقي بها فنسقى. فالتمس إليهم أن يكرموه بواحد منها فأعطوه الصنم المعروف بهبل فسار به إلى مكة ووضعه في الكعبة ودعا الناس إلى تعظيمه، وذلك في أول ملك سابور ذي الأكتاف. واعلم أن من بيوت الأصنام المشهورة " غمدان " الذي بناه الضحاك على اسم الزهرة بمدينة صنعاء وخربه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، ومنها " نوبهار بلخ " الذي بناه منهو شهر الملك على اسم القمر ثم كان لقبائل العرب أوثان معروفة مثل " ود " بدومة الجندل لكلب و " سواع " لبني هذيل و " يغوث " لبني مذحج و " يعوق " لهمدان و " نسر " بأرض حمير لذي الكلاع و " اللات " بالطائف لثقيف و " مناة " بيثرب للخزرج و " العزى " لكنانة بنواحي مكة و " أساف " ونائلة " على الصفا والمروة وكان قصي جد رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن عبادتها ويدعوهم إلى عبادة الله تعالى، وكذلك زيد بن عمرو بن نفيل وهو الذي يقول:
أربا واحدا أم ألف رب * أدين إذا تقسمت الأمور تركت اللات والعزى جميعا * كذلك يفعل الرجل البصير الكلام في النبوة * (وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدآءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) *.