جميعا فكيف يعجز عن إعادتكم ثم إنه تعالى ذكر تفاصيل هذه المنافع في سورة مختلفة كما قال: * (إنا صببنا الماء صبا) * وقال في أول سورة أتى أمر الله * (والأنعام خلقها لكم) * (النحل: 5) إلى آخره وههنا مسائل:
المسألة الأولى: قال أصحابنا: إنه سبحانه وتعالى لا يفعل فعلا لغرض لأنه لو كان كذلك كان مستكملا بذلك الغرض والمستكمل بغيره ناقص بذاته وذلك على الله تعالى محال فإن قيل: فعله تعالى معلل بغرض غير عائد إليه بل إلى غيره، قلنا: عود ذلك الغرض إلى ذلك الغير هل هو أولى لله تعالى من عود ذلك الغرض إليه أوليس أولى؟ فإن كان أولى فهو تعالى قد انتفع بذلك الفعل فيعود المحذور المذكور وإن كان الثاني لم يكن تحصيل ذلك الغرض المذكور لذلك الغير غرضا لله تعالى فلا يكون مؤثرا فيه. وثانيها: أن من فعل فعلا لغرض كان عاجزا عن تحصيل ذلك الغرض إلا بواسطة ذلك الفعل والعجز على الله تعالى محال. وثالثها: أنه تعالى لو فعل فعلا لغرض لكان ذلك الغرض إن كان قديما لزم قدم الفعل وإن كان محدثا كان فعله لذلك الغرض لغرض آخر ويلزم التسلسل وهو محال. ورابعها: أنه تعالى لو كان يفعل لغرض لكان ذلك الغرض هو رعاية مصلحة المكلفين ولو توقفت فاعليته على ذلك لما فعل ما كان مفسدة في حقهم لكنه قد فعل ذلك حيث كلف من علم أنه لا يؤمن ثم إنهم تكلموا في اللام في قوله تعالى: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * وفي قوله: * (إلا ليعبدون) * فقالوا إنه تعالى لما فعل ما لو فعله غيره لكان فعله لذلك الشيء لأجل الغرض لا جرم أطلق الله عليه لفظ الغرض بسبب هذه المشابهة.
المسألة الثانية: احتج أهل الإباحة بقوله تعالى: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * على أنه تعالى خلق الكل للكل فلا يكون لأحد اختصاص بشيء أصلا وهو ضعيف لأنه تعالى قابل الكل بالكل، فيقتضي مقابلة الفرد بالفرد، والتعيين يستفاد من دليل منفصل والفقهاء رحمهم الله استدلوا به على أن الأصل في المنافع الإباحة وقد بيناه في أصول الفقه.
المسألة الثالثة: قيل إنها تدل على حرمة أكل الطين لأنه تعالى خلق لنا ما في الأرض دون نفس الأرض، ولقائل أن يقول في جملة الأرض ما يطلق عليه أنه في الأرض فيكون جمعا للموضعين، ولا شك أن المعادن داخلة في ذلك وكذلك عروق الأرض وما يجري مجرى بعض لها ولأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه.
المسألة الرابعة: قوله: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * يقتضي أنه لا تصح الحاجة على الله تعالى وإلا لكان قد فعل هذه الأشياء لنفسه أيضا لا لغيره، وأما قوله تعالى: * (ثم استوى إلى السماء) * فيه مسائل:
المسألة الأولى: الاستواء في كلام العرب قد يكون بمعنى الانتصاب وضده الإعوجاج ولما كان ذلك من صفات الأجسام، فالله تعالى يجب أن يكون منزها عن ذلك ولأن في الآية ما يدل على فساده لأن قوله: * (ثم استوى) * يقتضي التراخي ولو كان المراد من هذا الاستواء العلو