سوى الأمور المذكورة ههنا فلم لا يجوز أن يقال إن محمدا عليه السلام بسبب تلك الفضائل التي هي غير مذكورة ههنا يكون أفضل من جبريل عليه السلام فإنه سبحانه كما وصف جبريل عليه السلام ههنا بهذه الصفات الست وصف محمدا صلى الله عليه وسلم أيضا بصفات ست وهي قوله: * (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهد ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) * (الأحزاب: 45، 46) فالوصف الأول: كونه نبيا والثاني: كونه رسولا والثالث: كونه شاهدا والرابع: كونه مبشرا والخامس: كونه نذيرا والسادس: كونه داعيا إلى الله تعالى بإذنه والسابع: كونه سراجا والثامن: كونه منيرا وبالجملة فإفراد أحد الشخصين بالوصف لا يدل البتة على انتفاء تلك الأوصاف عن الثاني. الحجة الثامنة عشرة: الملك أعلم من البشر والأعلم أفضل فالملك أفضل إنما قلنا إن الملك أعلم من البشر لأن جبريل عليه السلام كان معلما لمحمد عليه السلام بدليل قوله: * (علمه شديد القوى) * والمعلم لا بد وأن يكون أعلم من المتعلم، وأيضا فالعلوم قسمان: أحدهما: العلوم التي يتوصل إليها بالعقول كالعلم بذات الله تعالى وصفاته؛ فلا يجوز وقوع التقصير فيها لجبريل عليه السلام ولا لمحمد صلى الله عليه وسلم، لأن التقصير في ذلك جهل وهو قادح في معرفة الله تعالى. وأما العلم بكيفية مخلوقات الله تعالى وما فيها من العجائب والعلم بأحوال العرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار وطباق السماوات وأصناف الملائكة وأنواع الحيوانات في المغاور والجبال والبحار فلا شك أن جبريل عليه السلام أعلم بها، لأنه عليه السلام أطول عمرا وأكثر مشاهدة لها فكان علمه بها أكثر وأتم. وثانيها: العلوم التي لا يتوصل إليها إلا بالوحي لا لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا لسائر الأنبياء عليهم السلام إلا من جهة جبريل عليه السلام فيستحيل أن يكون لمحمد عليه الصلاة والسلام فضيلة فيها على جبريل عليه السلام، وأما جبريل عليه السلام فهو كان الواسطة بين الله تعالى وبين جميع الأنبياء فكان عالما بكل الشرائع الماضية والحاضرة، وهو أيضا عالم بشرائع الملائكة وتكاليفهم ومحمد عليه الصلاة والسلام، ما كان عالما بذلك، فثبت أن جبريل عليه السلام كان أكثر علما من محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون أفضل منه لقوله تعالى: * (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * (الزمر: 9). ولقائل أن يقول لا نسلم أنهم أعلم من البشر، والدليل عليه أنهم اعترفوا بأن آدم عليه السلام أكثر علما منهم بدليل قوله تعالى: * (يا آدم أنبئهم بأسمائهم) * ثم إن سلمنا مزيد علمهم ولكن ذلك لا يقتضي كثرة الثواب، فإنا نرى الرجل المبتدع محيطا بكثير من دقائق العلم ولا يستحق شيئا من الثواب فضلا عن أن يكون ثوابه أكثر وسببه ما نبهنا مرارا عليه أن كثرة الثواب إنما تحصل بحسب الإخلاص في الأفعال ولم نعلم أن إخلاص الملائكة أكثر. الحجة التاسعة عشرة: قوله تعالى: * (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم) * (الأنبياء: 29) فهذه الآية دالة على أنهم
(٢٢٧)