هذه المسألة وقعت في حيز التعارض بحسب العلوم الضرورية، وبحسب العلوم النظرية، وبحسب تعظيم الله تعالى نظرا إلى قدرته وحكمته، وبحسب التوحيد والتنزيه وبحسب الدلائل السمعية، فلهذه المآخذ التي شرحناها والأسرار التي كشفنا عن حقائقها صعبت المسألة وغمضت وعظمت، فنسأل الله العظيم أن يوفقنا للحق وأن يختم عاقبتنا بالخير آمين رب العالمين.
المسألة الخامسة: قال صاحب الكشاف: اللفظ يحتمل أن تكون الأسماع داخلة في حكم الختم، وفي حكم التغشية، إلا أن الأولى دخولها في حكم الختم، لقوله تعالى: * (وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) * (الجاثية: 23) ولوقفهم على سمعهم دون قلوبهم.
المسألة السادسة: الفائدة في تكرير الجار في قوله: * (وعلى سمعهم) * أنها لما أعيدت للأسماع كان أدل على شدة الختم في الموضعين.
المسألة السادسة: إنما جمع القلوب والأبصار ووحد السمع لوجوه: أحدها: أنه وحد السمع، لأن لكل واحد منهم سمعا واحدا، كما يقال: أتاني برأس الكبشين، يعني رأس كل واحد منهما، كما وحد البطن في قوله: " كلوا في بعض بطنكم تعيشوا " يفعلون ذلك إذا أمنوا اللبس، فإذا لم يؤمن كقولك. فرشهم وثوبهم وأنت تريد الجمع رفضوه. الثاني: أن السمع مصدر في أصله، والمصادر لا تجمع يقال: رجلان صوم، ورجال صوم، فروعي الأصل، يدل على ذلك جمع الأذن في قوله: * (وفي آذاننا وقر) * (فصلت: 5) الثالث: أن نقدر مضافا محذوفا أي وعلى حواس سمعهم. الرابع قال سيبويه: إنه وحد لفظ السمع إلا أنه ذكر ما قبلة وما بعده بلفظ الجمع، وذلك يدل على أن المراد منه الجمع أيضا، قال تعالى: * (يخرجهم من الظلمات إلى النور) * (البقرة: 257) * (عن اليمين وعن الشمال) * (المعارج: 37) قال الراعي:
فبها جيف الحيدي فأما عظامها * فبيض وأما جلدها فصليب وإنما أراد جلودها، وقرأ ابن أبي عبلة (وعلى أسماعهم).
المسألة السابعة: من الناس من قال: السمع أفضل من البصر، لأن الله تعالى حيث ذكرهما قدم السمع على البصر، والتقديم دليل على الفضيل، ولأن السمع شرط النبوة بخلاف البصر، ولذلك ما بعث الله رسولا أصم، وقد كان فيهم من كان مبتلي بالعمى، ولأن بالسمع تصل نتائج عقول البعض إلى البعض، فالسمع كأنه سبب لاستكمال العقل بالمعارف، والبصر لا يوقفك إلا على المحسوسات، ولأن السمع متصرف في الجهات الست بخلاف البصر، ولأن السمع متى بطل بطل النطق، والبصر إذا بطل لم يبطل النطق. ومنهم من قدم البصر، لأن آلة القوة الباصرة أشرف، ولأن متعلق القوة الباصرة هو النور، ومتعلق القوة السامعة الريح.
المسألة الثامنة: قوله: * (ختم الله على قلوبهم) * يدل على أن محل العلم هو القلب. واستقصينا بيانه في قوله: * (نزل به الروح الأمين على قلبك) * (الشعراء: 193) في سورة الشعراء.