منها أن البشر لا يطيقون رؤية الملائكة ومنها أن الجنس إلى الجنس أميل ومنها أن الملائكة في نهاية الطهارة والعصمة وهذا هو المراد بقوله تعالى: * (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا) * (الأنعام: 9) وأما الحجة الثالثة: فلا نسلم أن آدم عليه السلام كان أعلم منهم أكثر ما في الباب أن آدم عليه السلام كان عالما بتلك اللغات وهم ما علموها لكن لعلهم كانوا عالمين بسائر الأشياء مع أن آدم عليه السلام ما كان عالما بها والذي يحقق هذا أنا توافقنا على أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من آدم عليه السلام مع أن محمدا صلى الله عليه وسلم ما كان عالما بهذه اللغات بأسرها وأيضا فإن إبليس كان عالما بأن قرب الشجرة مما يوجب خروج آدم عن الجنة وآدم عليه السلام لم يكن عالما ذلك ولم يلزم منه كون إبليس أفضل من آدم عليه السلام والهدهد قال لسليمان أحطت بما لم تحط به ولم يلزم أن يكون الهدهد أفضل من سليمان سلمنا أنه كان أعلم منهم ولكن لم لا يجوز أن يقال إن طاعاتهم أكثر إخلاصا من طاعة آدم فلا جرم كان ثوابهم أكثر. أما الحجة الرابعة: فهي أقوى الوجوه المذكورة. أما الحجة الخامسة: وهي قوله تعالى: * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * (الأنبياء: 107) فلا يلزم من كون محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لهم أن يكون أفضل منهم كما في قوله: * (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها) * (الروم: 50) ولا يمتنع أن يكون هو عليه الصلاة والسلام رحمة لهم من وجه وهم يكونون رحمة له من وجه آخر. وأما الحجة السادسة: وهي أن عبادة البشر أشق فهذا ينتقض بما أنا نرى الواحد من الصوفية يتحمل في طريق المجاهدة من المشاق والمتاعب ما يقطع بأنه عليه السلام لم يتحمل مثلها مع أنا نعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من الكل وما ذاك إلا أن كثرة الثواب مبنية على الإخلاص في النية ويجوز أن يكون الفعل أسهل إلا أن إخلاص الآتي به أكثر فكان الثواب عليه أكثر. أما الحجة السابعة: فهي جمع بين الطرفين من غير جامع. وأما الحجة الثامنة: وهي أن المحفوظ أشرف من الحافظ فهذا ممنوع على الإطلاق بل قد يكون الحافظ أشرف من المحفوظ كالأمير الكبير الموكل على المتهمين من الجند. وأما الوجهان الآخران: فهما من باب الآحاد وهما معارضان بما رويناه من شدة تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا آخر المسألة وبالله التوفيق.
المسألة الخامسة: اعلم أن الله تعالى لما استثنى إبليس من الساجدين فكان يجوز أن يظن أنه كان معذورا في ترك السجود فبين تعالى أنه لم يسجد مع القدرة وزوال العذر بقوله أبى لأن الأباء هو الامتناع مع الاختيار، أما من لم يكن قادرا على الفعل لا يقال له إنه أبى ثم قد كان يجوز أن يكون كذلك ولا ينضم إليه الكبر فبين تعالى أن ذلك الإباء كان على وجه الاستكبار بقوله واستكبر ثم كان يجوز أن يوجد الإباء والاستكبار مع عدم الكفر فبين تعالى أنه كفر بقوله: * (وكان من الكافرين) * قال القاضي هذه الآية تدل على بطلان قول أهل الجبر من وجوه: أحدها: أنهم يزعمون أنه لما لم يسجد لم يقدر على السجود لأن عندهم القدرة