الدائمة من غير تراخ فلو جعلنا الآية من هذا الوجه دليلا على حياة القبر كان قريبا.
المسألة الرابعة: قال الحسن رحمه الله قوله: * (كيف تكفرون بالله) * يعني به العامة، وأما بعض الناس فقد أماتهم ثلاث مرات نحو ما حكى في قوله: * (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها) * (البقرة: 259) إلى قوله: * (فأماته الله مائة عام ثم بعثه) * وكقوله: * (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) * (البقرة: 243) وكقوله: * (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم) * وكقوله: * (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى) * وكقوله: * (وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها) * (الكهف: 21) وكقوله في قصة أيوب عليه السلام: * (وآتيناه أهله ومثلهم معهم) * فإن الله تعالى رد عليه أهله بعد ما أماتهم.
المسألة الخامسة: تمسك المجسمة بقوله تعالى: * (ثم إليه ترجعون) * على أنه تعالى في مكان وهذا ضعيف، والمراد أنهم إلى حكمة يرجعون لأنه تعالى يبعث من في القبور ويجمعهم في المحشر وذلك هو الرجوع إلى الله تعالى وإنما وصف بذلك لأنه رجوع إلى حيث لا يتولى الحكم غيره كقولهم رجع أمره إلى الأمير، أي إلى حيث لا يحكم غيره.
المسألة السادسة: هذه الآية دالة على أمور: الأول: أنها دالة على أنه لا يقدر على الإحياء والإماتة إلا الله تعالى فيبطل به قول أهل الطبائع من أن المؤثر في الحياة والموت كذا وكذا من الأفلاك والكواكب والأركان والمزاجات كما حكى عن قوم في قوله: * (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) * (الجاثية: 24) الثاني: أنها تدل على صحة الحشر النشر مع التنبيه على الدليل العقلي الدال عليه، لأنه تعالى بين أنه أحيا هذه الأشياء بعد موتها في المرة الأولى فوجب أن يصح ذلك في المرة الثانية، الثالث: أنها تدل على التكليف والترغيب والترهيب. الرابع: أنها دالة على الجبر والقدر كما تقدم بيانه، الخامس: أنها دالة على وجوب الزهد في الدنيا لأنه قال: * (فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) * فبين أنه لا بد من الموت ثم بين أنه لا يترك على هذا الموت. بل لا بد من الرجوع إليه أما أنه لا بد من الموت، فقد بين سبحانه وتعالى أنه بعد ما كان نطفة فإن الله أحياه وصوره أحسن صورة وجعله بشرا سويا وأكمل عقله وصيره بصيرا بأنواع المنافع والمضار وملكه الأموال والأولاد والدور والقصور، ثم إنه تعالى يزيل كل ذلك عنه بأن يميته ويصيره بحيث لا يملك شيئا ولا يبقى منه في الدنيا خبر ولا أثر ويبقى مدة طويلة في اللحود كما قال تعالى: * (ومن ورائهم برزخ) * (المؤمنون: 100) ينادي فلا يجيب ويستنطق فلا يتكلم ثم لا يزوره الأقربون، بل ينساه الأهل والبنون. كما قال يحيى بن معاذ الرازي: يمر أقاربي بحذاء قبري كأن أقاربي لم يعرفوني وقال أيضا: إلهي كأني بنفسي وقد أضجعوها في حفرتها، وانصرف المشيعون عن تشييعها، وبكى الغريب عليها لغربتها، وناداها من شفير القبر ذو مودتها، ورحمتها الأعادي عند جزعتها،