كان من الله فما لم يحصل ذلك المرجح من الله امتنع حصول الكفر، وإذا حصل ذلك المرجح وجب، وعلى هذا كيف لا يعقل قوله: * (كيف تكفرون بالله) * واعلم أن المعتزلي إذا طول كلامه وفرع وجوهه في المدح والذم فعليك بمقابلتها بهذين الوجهين فإنهما يهدمان جميع كلامه ويشوشان كل شبهاته وبالله التوفيق.
المسألة الثانية: اتفقوا على أن قوله: * (وكنتم أمواتا) * المراد به وكنتم ترابا ونطفا، لأن ابتداء خلق آدم من التراب وخلق سائر المكلفين من أولاده إلا عيسى عليه السلام من النطف، لكنهم اختلفوا في أن إطلاق اسم الميت على الجماد حقيقة أو مجاز والأكثرون على أنه مجاز لأنه شبه الموات بالميت وليس أحدهما من الآخر بسبيل لأن الميت ما يحل به الموت ولا بد وأن يكون بصفة من يجوز أن يكون حيا في العادة فيكون اللحمية والرطوبة وقال الأولون هو حقيقة فيه وهو مروي عن قتادة، قال كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم الله تعالى ثم أخرجهم ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها، ثم أحياهم بعد الموت. فهما حياتان وموتتان واحتجوا بقوله: * (خلق الموت والحياة) * والموت المقدم على الحياة هو كونه مواتا فدل على أن إطلاق الميت على الموات ثابت على سبيل الحقيقة والأول هو الأقرب، لأنه يقال في الجماد إنه موات وليس بميت فيشبه أن يكون استعمال أحدهما في الآخر على سبيل التشبيه قال القفال: وهو كقوله تعالى: * (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) * (الإنسان: 1) فبين سبحانه وتعالى أن الإنسان كان لا شيء يذكر فجعله الله حيا وجعله سميعا بصيرا ومجازه من قولهم فلان ميت الذكر. وهذا أمر ميت، وهذه سلعة ميتة، إذا لم يكن لها طالب ولا ذاكر قال المخبل السعدي:
وأحييت لي ذكرى وما خاملا * ولكن بعض الذكر أنبه من بعض فكذا معنى الآية: * (وكنتم أمواتا) * أي خاملين ولا ذكر لكم لأنكم لم تكونوا شيئا * (فأحياكم) * أي فجعلكم خلقا سميعا بصيرا.
المسألة الثالثة: احتج قوم بهذه الآية على بطلان عذاب القبر، قالوا لأنه تعالى بين أنه يحييهم مرة في الدنيا وأخرى في الآخرة ولم يذكر حياة القبر ويؤكده قوله: * (ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) * (المؤمنون: 15، 16) ولم يذكر حياة فيما بين هاتين الحالتين، قالوا ولا يجوز الاستدلال بقوله تعالى: * (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) * (غافر: 11) لأنه قول الكفار، ولأن كثيرا من الناس أثبتوا حياة الذر في حلب آدم عليه السلام حين استخرجهم وقال: * (ألست بربكم) * وعلى هذا التقدير حصل حياتان وموتتان من غير حاجة إلى إثبات حياة في القبر، فالجواب لم يلزم من عدم الذكر في هذه الآية أن لا تكون حاصلة، وأيضا فلقائل أن يقول: إن الله تعالى ذكر حياة القبر في هذه الآية. لأن قوله في يحييكم ليس هو الحياة الدائمة وإلا لما صح أن يقول: * (ثم إليه ترجعون) * لأن كلمة ثم تقتضي التراخي، والرجوع إلى الله تعالى حاصل عقب الحياة