لأهل الثواب.
أما قوله: * (وهم فيها خالدون) * فقالت المعتزلة الخلد ههنا هو الثبات اللازم والبقاء الدائم الذي لا ينقطع واحتجوا عليه بالآية والشعر، أما الآية فقوله: * (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) * (الأنبياء: 34) فنفي الخلد عن البشر مع أنه تعالى أعطى بعضهم العمر الطويل، والمنفي غير المثبت، فالخلد هو البقاء الدائم وأما الشعر فقول امرئ القيس:
وهل يعمن إلا سعيد مخلد * قليل هموم ما يبيت بأوجال وقال أصحابنا: الخلد هو الثبات الطويل سواء دام أو لم يدم واحتجوا فيه بالآية والعرف أما الآية فقوله تعالى: * (خالدين فيها أبدا) * ولو كان التأبيد داخلا في مفهوم الخلد لكان ذلك تكرارا وأما العرف فيقال حبس فلان فلانا حبسا مخلدا ولأنه يكتب في صكوك الأوقاف وقف فلان وقفا مخلدا فهذا هو الكلام في أن هذا اللفظ هل يدل على دوام الثواب أم لا؟ وقال آخرون العقل يدل على دوامه لأنه لو لم يجب دوامه لجوزوا انقطاعه فكان خوف الانقطاع ينغص عليهم تلك النعمة لأن النعمة كلما كانت أعظم كان خوف انقطاعها أعظم وقعا في القلب وذلك يقتضي أن لا ينفك أهل الثواب البتة من الغم والحسرة والله تعالى أعلم.
* (إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين ءامنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذآ أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين * الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مآ أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض أولئك هم الخاسرون) *.
اعلم أنه بين بالدليل كون القرآن معجزا أورد ههنا شبهة أوردها الكفار قدحا في ذلك وأجاب عنها وتقرير الشبهة أنه جاء في القرآن ذكر النحل والذباب والعنكبوت والنمل وهذه الأشياء لا يليق ذكرها بكلام الفصحاء فاشتمال القرآن عليها يقدح في فصاحته فضلا عن