سيبويه مثله في حم وطس ويس لو قرىء به، وحكى السيرافي أن بعضهم قرأ " يس " بفتح النون؛ وأن يكون الفتح جرا، وذلك بأن يقدرها مجرورة بإضمار الباء القسمية، فقد جاء عنهم: " الله لأفعلن " غير أنها فتحت في موضع الجر لكونها غير مصروفة، ويتأكد هذا بما روينا عن بعضهم " أن الله تعالى أقسم بهذه الحروف "، وثانيتهما: قراءة بعضهم صاد بالكسر. وسببه التحريك لالتقاء الساكنين. أما القسم الثاني - وهو ما لا يتأتى الإعراب فيه - فهو يجب أن يكون محكيا، ومعناه أن يجاء بالقول بعد نقله على استبقاء صورته الأولى كقولك: " دعني من تمرتان ".
الثاني: أن الله تعالى أورد في هذه الفواتح نصف أسامي حروف المعجم: أربعة عشر سواء، وهي: الألف، واللام، والميم، والصاد، والراء، والكاف، والهاء، والياء، والعين والطاء، والسين، والحاء، والقاف، والنون في تسع وعشرين سورة.
الثالث: هذه الفواتح جاءت مختلفة الأعداد، فوردت " ص ق ن " على حرف، و " طه وطس ويس وحم " على حرفين، و " آلم والر وطسم " على ثلاثة أحرف، والمص والمر على أربعة أحرف، و " كهعيص وحم عسق " على خمسة أخرف، والسبب فيه أن أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة أحرف فقط فكذا ههنا. الرابع: هل لهذه الفواتح محل من الإعراب أم لا؟ فنقول: إن جعلناها أسماء للسور فنعم، ثم يحتمل الأوجه الثلاثة، أما الرفع فعلى الابتداء، وأما النصب والجر فلما مر من صحة القسم بها، ومن لم يجعلها أسماء للسور لم يتصور أن يكون لها محل على قوله، كما لا محل للجمل المبتدأ وللمفردات المعدودة. الإشارة في " ذلك الكتاب ":
* (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) *.
قوله تعالى: * (ذلك الكتاب) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لقائل أن يقول: المشار إليه ههنا حاضر، و " ذلك " اسم مبهم يشار به إلى البعيد، والجواب عنه من وجهين: الأول: لا نسلم أن المشار إليه حاضر، وبيانه من وجوه: أحدها: ما قاله الأصم: وهو أن الله تعالى أنزل الكتاب بعضه بعد بعض، فنزل قبل سورة البقرة سور كثيرة، وهي كل ما نزل بمكة مما فيه الدلالة على التوحيد وفساد الشرك وإثبات النبوة وإثبات المعاد، فقوله: * (ذلك) * إشارة إلى تلك السور التي نزلت قبل هذه السورة، وقد يسمى بعض القرآن قرآنا، قال الله تعالى: * (وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له) * (الأعراف: 204) وقال حاكيا عن الجن * (إنا سمعنا قرآنا عجبا) * (الجن: 1) وقوله: * (إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى) * (الأحقاف: 30) وهم ما سمعوا إلا البعض، وهو الذي كان قد نزل إلى ذلك الوقت، وثانيها: أنه تعالى وعد رسوله عند مبعثه أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماحي، وهو عليه السلام أخبر أمته بذلك وروت الأمة ذلك عنه،