أخص من الأمر الدال على وجوب العبادة والخاص يقدم على العام والكلام في هذا المعنى مذكور في أصول الفقه.
المسألة السابعة: قال القاضي: الآية تدل على أن سبب وجود العبادة ما بينه من خلقه لنا والإنعام علينا. واعلم أن أصحابنا يحتجون بهذه الآية على أن العبد لا يستحق بفعله الثواب لأنه لما كان خلقه إيانا وإنعامه علينا سببا لوجوب العبادة فحينئذ يكون اشتغالنا بالعبادة أداء للواجب، والإنسان لا يستحق بأداء الواجب شيئا فوجب أن لا يستحق العبد على العبادة ثوابا على الله تعالى أما قوله: * (ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) * ففيه مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنه سبحانه لما أمر بعبادة الرب أردفه بما يدل على وجود الصانع وهو خلق المكلفين وخلق من قبلهم، وهذا يدل على أنه لا طريق إلى معرفة الله تعالى إلا بالنظر والاستدلال وطعن قوم من الحشوية في هذه الطريقة وقالوا الاشتغال بهذا العلم بدعة ولنا في إثبات مذهبنا وجوه نقلية وعقلية وههنا ثلاث مقامات: المقام الأول: في بيان فضل هذا العلم وهو من وجوه: أحدها: أن شرف العلم بشرف المعلوم فمهما كان المعلوم أشرف كان العلم الحاصل به أشرف فلما كان أشرف المعلومات ذات الله تعالى وصفاته وجب أن يكون العلم المتعلق به أشرف العلوم. وثانيها: أن العلم إما أن يكون دينيا أو غير ديني، ولا شك أن العلم الديني أشرف من غير الديني، وأما العلم الديني فإما أن يكون هو علم الأصول، أو ما عداه، أما ما عداه فإنه تتوقف صحته على علم الأصول، لأن المفسر إنما يبحث عن معاني كلام الله تعالى، وذلك فرع على وجود الصانع المختار المتكلم، وأما المحدث فإنما يبحث عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك فرع على ثبوت نبوته صلى الله عليه وسلم، والفقيه إنما يبحث عن أحكام الله، وذلك فرع على التوحيد والنبوة، فثبت أن هذه العلوم مفتقرة إلى علم الأصول، والظاهر أن علم الأصول غني عنها فوجب أن يكون علم الأصول أشرف العلوم. وثالثها: أن شرف الشيء قد يظهر بواسطة خساسة ضده، فكلما كان ضده أخس كان هو أشرف وضد علم الأصول هو الكفر والبدعة، وهما من أخس الأشياء، فوجب أن يكون علم الأصول أشرف الأشياء. ورابعها: أن شرف الشيء قد يكون بشرف موضوعه وقد يكون لأجل شدة الحاجة إليه، وقد يكون لقوة براهينه، وعلم الأصول مشتمل على الكل وذلك لأن علم الهيئة أشرف من علم الطب نظرا إلى أن موضوع علم الهيئة أشرف من موضوع علم الطب، وإن كان الطب أشرف منه نظرا إلى أن الحاجة إلى الطب أكثر من الحاجة إلى الهيئة، وعلم الحساب أشرف منهما نظرا إلى أن براهين علم الحساب أقوى. أما علم الأصول فالمطلوب منه معرفة ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله، ومعرفة أقسام المعلومات من المعدومات والموجودات، ولا شك أن ذلك أشرف الأمور، وأما الحاجة إليه فشديدة لأن الحاجة إما في الدين أو في الدنيا، أما في الدين فشديدة لأن من عرف هذه الأشياء استوجب الثواب العظيم والتحق بالملائكة، ومن جهلها