الوقت الذي لا حد له وهو الأبد الدائم، الذي لا ينقطع له أمد، ويجوز أن يراد به الوقت المحدود من النشور إلى أن تدخل أهل الجنة الجنة. وأهل النار النار؛ لأنه آخر الأوقات المحدودة، وما بعده فلا حد له.
* (يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) *.
اعلم أن الله تعالى من قبائح المنافقين أربعة أشياء: أحدها: ما ذكره في هذه الآية، وهو أنهم * (يخادعون الله والذين آمنوا) * فيجب أن يعلم أولا: ما المخادعة، ثم ثانيا: ما المراد، بمخادعة الله؟ وثالثا: أنهم لماذا كانوا يخادعون الله؟ ورابعا: أنه ما المراد بقوله وما يخدعون إلا أنفسهم؟.
المسألة الأولى: اعلم أنه لا شبهة في أن الخديعة مذمومة، والمذموم يجب أن يميز من غيره لكي لا يفعل، وأصل هذه اللفظة الإخفاء، وسميت الخزانة المخدع، والأخدعان عرقان في العنق لأنهما خفيان. وقالوا: خدع الضب خدعا إذا توارى في جحره فلم يظهر إلا قليلا، وطريق خيدع وخداع، إذا كان مخالفا للمقصد بحيث لا يفطن له، ومنه المخدع. وأما حدها فهو إظهار ما يوهم السلامة والسداد، وإبطان ما يقتضي الإضرار بالغير والتخلص منه، فهو بمنزلة النفاق في الكفر والرياء في الأفعال الحسنة، وكل ذلك بخلاف ما يقتضيه الدين؛ لأن الدين يوجب الاستقامة والعدول عن الغرور والإساءة، كما يوجب المخالصة لله تعالى في العبادة، ومن هذا الجنس وصفهم المرائي بأنه مدلس إذا أظهر خلاف مراده، ومنه أخذ التدليس في الحديث، لأن الراوي يوهم السماع ممن لم يسمع؛ وإذا أعلن ذلك لا يقال إنه مدلس.
المسألة الثانية: وهي أنهم كيف خادعوا الله تعالى؟ فلقائل أن يقول: إن مخادعة الله تعالى ممتنعة من وجهين: الأول: أنه تعالى يعلم الضمائر والسرائر فلا يجوز أن يخادع، لأن الذي فعلوه لو أظهروا أن الباطن بخلاف الظاهر لم يكن ذلك خداعا، فإذا كان الله تعالى لا يخفي عليه البواطن لم يصح أن يخادع. الثاني: أن المنافقين لم يعتقدوا أن الله بعث الرسول إليهم فلم يكن قصدهم في نافقهم مخادعة الله تعالى، فثبت أنه لا يمكن إجراء هذا اللفظ على ظاهره بل لا بد من التأويل وهو من وجهين: الأول: أنه تعالى ذكر نفسه وأراد به رسولة على عادته في تفخيم وتعظيم شأنه. قال: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) * (الفتح: 10) وقال في عكسه * (واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه) * (الأنفال: 41) أضاف السهم الذي يأخذه الرسول إلى نفسه فالمنافقون لما خادعوا