اعتقدوا أنها هي الإله في الحقيقة والفريق الثاني: أنها هي الوسائط بين الله تعالى وبين البشر، فلا جرم اشتغلوا بعبادتها والخضوع لها، ثم لما رأوا الكواكب مستترة في أكثر الأوقات عن الأبصار اتخذوا لها أصناما وأقبلوا على عبادتها قاصدين بتلك العبادات تلك الأجرام العالية، ومتقربين إلى أشباحها الغائبة، ثم لما طالت المدة ألغوا ذكر الكواكب وتجردوا لعبادة تلك التماثيل، فهؤلاء في الحقيقة عبدة الكواكب. وثالثها: أن أصحاب الأحكام كانوا يعينون أوقاتا في السنين المتطاولة نحو الألف والألفين ويزعمون أن من اتخذ طلسما في ذلك الوقت على وجه خاص فإنه ينتفع به في أحوال مخصوصة نحو السعادة والخصب ودفع الآفات وكانوا إذا اتخذوا ذلك الطلسم عظموه لاعتقادهم أنهم ينتفعون به فلما بالغوا في ذلك التعظيم صار ذلك كالعبادة ولما طالت مدة ذلك الفعل نسوا مبدأ الأمر واشتغلوا بعبادتها على الجهالة بأصل الأمر. ورابعها: أنه متى مات منهم رجل كبير يعتقدون فيه أنه مجاب الدعوة ومقبول الشفاعة عند الله تعالى اتخذوا صنما على صورته يعبدونه على اعتقاد أن ذلك الإنسان يكون شفيعا لهم يوم القيامة عند الله تعالى على ما أخبر الله تعالى عنهم بهذه المقالة في قوله: * (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) * (يونس: 18) وخامسها: لعلهم اتخذوها محاريب لصلواتهم وطاعاتهم ويسجدون إليها لا لها كما أنا نسجد إلى القبلة لا للقبلة ولما استمرت هذه الحالة ظن الجهال من القوم أنه يجب عبادتها. وسادسها: لعلهم كانوا من المجسمة فاعتقدوا جواز حلول الرب فيها فعبدوها على هذا التأويل، فهذه هي الوجوه التي يمكن حمل هذه المقالة عليها حتى ليصير بحيث يعلم بطلانه بضرورة العقل.
المسألة الثانية: فإن قال قائل: لما رجع حاصل مذهب عبدة الأوثان إلى هذه الوجوه التي ذكرتموها فمن أين يلزم من إثبات خالق العالم أن لا يجوز عبادة الأوثان؟ الجواب قلنا: إنه تعالى إنما نبه على كون الأرض والسماء مخلوقتين بما بينا أن الأرض والسماء يشاركون سائر الأجسام في الجسمية فلا بد وأن يكون اختصاص كل واحد منهما بما اختص به من الأشكال والصفات والأخبار بتخصيص مخصص وبينا أن ذلك المخصص لو كان جسما لافتقر هو أيضا إلى مخصص آخر، فوجب أن لا يكون جسما، إذا ثبت هذا فنقول: أما قول من ذهب إلى عبادة الأوثان بناء على اعتقاد الشبه فلما دللنا بهذه الدلالة على نفي الجسمية فقد بطل قوله، وأما القول الثاني: وهو أن هذه الكواكب هي المدبرة لهذا العالم فلما أقمنا الدلالة على أن كل جسم يفتقر في اتصافه بكل ما اتصف به إلى الفاعل المختار بطل كونها آلهة، وثبت أنها عبيد لا أرباب، وأما القول الثالث: وهو قول أصحاب الطلسمات فقد بطل أيضا لأن تأثير الطلسمات إنما يكون بواسطة قوى الكواكب، فلما دللنا على حدوث الكواكب ثبت قولنا وبطل قولهم. وأما القول الرابع والخامس: فليس في العقل ما يوجه أو يحيله، لكن الشرع لما منع منه وجب الامتناع عنه. وأما القول السادس: فهو أيضا بناء على التشبيه فثبت بما قدمنا أن إقامة الدلالة على افتقار