حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه، أن داود حين دخل محرابه ذلك اليوم، قال: لا يدخلن علي محرابي اليوم أحد حتى الليل، ولا يشغلني شئ عما خلوت له حتى أمسي ودخل محرابه، ونشر زبوره يقرؤه وفي المحراب كوة تطلعه على تلك الجنينة، فبينا هو جالس يقرأ زبوره، إذ أقبلت حمامة من ذهب حتى وقعت في الكوة، فرفع رأسه فرآها، فأعجبته، ثم ذكر ما كان قال: لا يشغله شئ عما دخل له، فنكس رأسه وأقبل على زبوره، فتصوبت الحمامة للبلاء والاختبار من الكوة، فوقعت بين يديه، فتناولها بيده، فاستأخرت غير بعيد، فاتبعها، فنهضت إلى الكوة، فتناولها في الكوة، فتصوبت إلى الجنينة، فأتبعها بصره أين تقع، فإذا المرأة جالسة تغتسل بهيئة الله أعلم بها في الجمال والحسن والخلق فيزعمون أنها لما رأته نقضت رأسها فوارت به جسدها منه، واختطفت قلبه، ورجع إلى زبوره ومجلسه، وهي من شأنه لا يفارق قلبه ذكرها. وتمادى به البلاء حتى أغزى زوجها، ثم أمر صاحب جيشه فيما يزعم أهل الكتاب أن يقدم زوجها للمهالك حتى أصابه بعض ما راد به من الهلاك، ولداود تسع وتسعون امرأة فلما أصيب زوجها خطبها داود فنكحها، فبعث الله إليه وهو في محرابه ملكين يختمصان إليه، مثلا يضربه له ولصاحبه، فلم يرع داود إلا بهما واقفين على رأسه في محرابه، فقال: ما أدخلكما علي؟ قالا: لا تخف لم ندخل لبأس ولا لريبة خصمان بغى بعضنا على بعض فجئناك لتقضي بيننا فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط: أي احملنا على الحق، ولا تخالف بنا إلى غيره قال الملك الذي يتكلم عن أوريا بن جنانيا زوج المرأة: إن هذا أخي أي على ديني له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها أي احملني عليها، ثم عزني في الخطاب:
أي قهرني في الخطاب، وكان أقوى مني هو وأعز، فحاز نعجتي إلى نعاجه وتركني لا شئ لي فغضب داود، فنظر إلى خصمه الذي لم يتكلم، فقال: لئن كان صدقني ما يقول، لأضربن بين عينيك بالفأس ثم ارعوى داود، فعرف أنه هو الذي يراد بما صنع في امرأة أوريا، فوقع ساجدا تائبا منيبا باكيا، فسجد أربعين صباحا صائما لا يأكل فيها ولا يشرب، حتى أنبت دمعه الخضر تحت وجهه، وحتى أندب السجود في لحم وجهه، فتاب الله عليه وقبل منه.
ويزعمون أنه قال: أي رب هذا غفرت ما جنيت في شأن المرأة، فكيف بدم القتيل المظلوم؟ قيل له: يا داود، فيما زعم أهل الكتاب، أما إن ربك لم يظلمه بدمه، ولكنه