أنه ناج منهما اذكرني عند ربك وإنما عبارة الرؤيا بالظن، فيحق الله ما يشاء ويبطل ما يشاء.
وهذا الذي قاله قتادة من أن عبارة الرؤيا ظن، فإن ذلك كذلك من غير الأنبياء. فأما الأنبياء فغير جائز منها أن تخبر بخبر عن أمر أنه كائن ثم لا يكون، أو أنه غير كائن ثم يكون مع شهادتها على حقيقة ما أخبرت عنه أنه كائن أو غير كائن لان ذلك لو جاز عليها في أخبارها لم يؤمن مثل ذلك في كل أخبارها، وإذا لم يؤمن ذلك في أخبارها سقطت حجتها على من أرسلت إليه. فإذا كان ذلك كذلك كان غير جائز عليها أن تخبر بخبر إلا وهو حق وصدق. فمعلوم إذ كان الامر على ما وصفت أن يوسف لم يقطع الشهادة على ما أخبر الفتيين اللذين استعبراه أنه كائن، فيقول لأحدهما: أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه ثم يؤكد ذلك بقوله: قضي الامر الذي فيه تستفتيان عند قولهما: لم نر شيئا، إلا وهو على يقين أن ما أخبرهما بحدوثه وكونه أنه كائن لا محالة لا شك فيه، وليقينه بكون ذلك قال للناجي منهما: اذكرني عند ربك.
فبين إذن بذلك فساد القول الذي قاله قتادة في معنى قوله: وقال للذي ظن أنه ناج منهما، وقوله: فأنساه الشيطان ذكر ربه وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن غفلة عرضت ليوسف من قبل الشيطان نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بما هو فيه خلاصة، ولكنه زل بها، فأطال من أجلها في السجن حبسه وأوجع لها عقوبته. كما:
حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن بسطام بن مسلم، عن مالك بن دينار، قال: لما قال يوسف للساقي:
اذكرني عند ربك قال: قيل: يا يوسف اتخذت من دوني وكيلا؟ لأطيلن حبسك فبكى يوسف وقال: يا رب أنسى قلبي كثرة البلوى، فقلت كلمة، فويل لإخوتي.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، قال: قال رسول الله (ص): لولا أنه يعني يوسف قال الكلمة التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث.
حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع، قالا: ثنا ابن علية، قال: ثنا يونس، عن الحسن، قال: قال نبي الله (ص): رحم الله يوسف لولا كلمته ما لبث في