واعتل قائلو هذه المقالة بأن الذي فوق الأعناق: الرؤوس، وقالوا: وغير جائز أن تقول: فوق الأعناق، فيكون معناه: الأعناق. قالوا: ولو جاز كان أن يقال تحت الأعناق، فيكون معناه: الأعناق. قالوا: وذلك خلاف المعقول من الخطاب، وقلب معاني الكلام.
وقال آخرون: معنى ذلك: فاضربوا على الأعناق. وقالوا: على وفوق معناهما متقاربان، فجاز أن يوضع أحدهما مكان الآخر.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر المؤمنين معلمهم كيفية قتل المشركين وضربهم بالسيف أن يضربوا فوق الأعناق منهم والأيدي والأرجل وقوله:
فوق الأعناق محتمل أن يكون مرادا به الرؤوس، ومحتمل أن يكون مرادا به فوق جلدة الأعناق، فيكون معناه: على الأعناق وإذا احتمل ذلك صح قول من قال: معناه: الأعناق.
وإذا كان الامر محتملا ما ذكرنا من التأويل، لم يكن لنا أن نوجهه إلى بعض معانيه دون بعض إلا بحجة يجب التسليم لها، ولا حجة تدل على خصوصه، فالواجب أن يقال: إن الله أمر بضرب رؤوس المشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم أصحاب نبيه (ص) الذين شهدوا معه بدرا.
وأما قوله: واضربوا منهم كل بنان فإن معناه: واضربوا أيها المؤمنون من عدوكم كل طرف ومفصل من أطراف أيديهم وأرجلهم. والبنان: جمع بنانة، وهي أطراف أصابع اليدين والرجلين، ومن ذلك قول الشاعر:
ألا ليتني قطعت مني بنانة * ولاقيته في البيت يقظان حاذرا يعني بالبنانة: واحدة البنان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
12267 - حدثنا أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية: واضربوا منهم كل بنان قال: كل مفصل.
* - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية: واضربوا منهم كل بنان قال: المفاصل.