والصواب من القول في ذلك عندي أن الاثنتي عشرة أنثت لتأنيث القطعة. ومعنى الكلام: وقطعناهم قطعا اثنتي عشرة، ثم ترجم عن القطع بالأسباط. وغير جائز أن تكون الأسباط مفسرة عن الاثنتي عشرة وهي جمع، لان التفسير فيما فوق العشر إلى العشرين بالتوحيد لا بالجمع، والأسباط جمع لا واحد، وذلك كقولهم: عندي اثنتا عشرة امرأة، ولا يقال: عندي اثنتا عشرة نسوة، ففي ذلك أن الأسباط ليست بتفسير للاثنتي عشرة، وإن القول في ذلك على ما قلنا. وأما الأمم فالجماعات، والسبط في بني إسرائيل نحو القرن.
وقيل: إنما فرقوا أسباطا لاختلافهم في دينهم.
القول في تأويل قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
يقول تعالى ذكره: وأوحينا إلى موسى إذ فرقنا بني إسرائيل قومه اثنتي عشرة فرقة، وتيهناهم في التيه فاستسقوا موسى من العطش وغؤور الماء أن اضرب بعصاك الحجر وقد بينا السبب الذي كان قومه استسقوه، وبينا معنى الوحي بشواهده. فانبجست فانصبت وانفجرت من الحجر اثنتا عشرة عينا من الماء، قد علم كل أناس يعني:
كل أناس من الأسباط الاثنتي عشرة مشربهم لا يدخل سبط على غيره في شربه.
وظللنا عليهم الغمام يكنهم من حر الشمس وأذاها. وقد بينا معنى الغمام فيما مضى قبل، وكذلك المن والسلوى. وأنزلنا عليهم المن والسلوى طعاما لهم. كلوا من طيبات ما رزقناكم يقول: وقلنا لهم: كلوا من حلال ما رزقناكم أيها الناس وطيبناه لكم.
وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، وفي الكلام محذوف ترك ذكره استغناء بما ظهر عما ترك، وهو: فأجمعوا ذلك وقالوا: لن نصبر على طعام واحد، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير. وما ظلمونا يقول: وما أدخلوا علينا نقصا في ملكنا وسلطاننا بمسألتهم ما سألوا، وفعلهم ما فعلوا. ولكن كانوا أنفسهم يظلمون: أي ينقصونها حظوظها باستبدالهم الأدنى بالخير والأرذل بالأفضل. القول في تأويل قوله تعالى: