يرون ربهم بأبصارهم ولا تدركه أبصارهم، بمعنى: أنها لا تحيط به إذ كان غير جائز أن يوصف الله بأن شيئا يحيط به. قالوا: ونظير جواز وصفه بأنه يرى ولا يدرك جواز وصفه بأنه يعلم ولا يحاط به، وكما قال جل ثناؤه: ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء.
قالوا: فنفى جل ثناؤه عن خلقه أن يكونوا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء. قالوا:
ومعنى العلم في هذا الموضع: المعلوم قالوا: فلم يكن في نفيه عن خلقه أن يحيطوا بشئ من علمه إلا بما شاء نفي عن أن يعلموه. قالوا: فإذا لم يكن في نفي الإحاطة بالشئ علما نفي للعلم به، كان كذلك لم يكن في نفي إدراك الله عن البصر نفي رؤيته له. قالوا: وكما جاز أن يعلم الخلق أشياء ولا يحيطون بها علما، كذلك جائز أن يروا ربهم بأبصارهم ولا يدركوه بأبصارهم، إذ كان معنى الرؤية غير معنى الادراك، ومعنى الادراك غير معنى الرؤية، وأن معنى الادراك: إنما هو الإحاطة، كما قال ابن عباس في الخبر الذي ذكرناه قبل.
قالوا: فإن قال لنا قائل: وما أنكرتم أن يكون معنى قوله: لا تدركه الابصار لا تراه الابصار؟ قلنا له: أنكرنا ذلك، لان الله جل ثناؤه أخبر في كتابه أن وجوها في القيامة إليه ناظرة، وأن رسول الله (ص) أخبر أمته أنهم سيرون ربهم يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب. قالوا: فإذ كان الله قد أخبر في كتابه بما أخبر وحققت أخبار رسول الله (ص) بما ذكرنا عنه من قيله (ص) أن تأويل قوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة أنه نظر أبصار العيون لله جل جلاله، وكان كتاب الله يصدق بعضه بعضا، وكان مع ذلك غير جائز أن يكون أحد هذين الخبرين ناسخا للآخر، إذ كان غير جائز في الاخبار لما قد بينا في كتابنا: كتاب لطيف البيان عن أصول الاحكام وغيره علم أن معنى قوله: لا تدركه الابصار غير معنى قوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فإن أهل الجنة ينظرون بأبصارهم يوم القيامة إلى الله ولا يدركونه بها، تصديقا لله في كلا الخبرين وتسليما لما جاء به تنزيله على ما جاء به في السورتين.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تراه الابصار وهو يرى الابصار. ذكر من قال ذلك.