الآية: لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة، وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء الله.
قالوا: وجائز أن يكون معناها: لا تدركه الابصار بالنهاية والإحاطة وأما بالرؤية فبلى.
قالوا: وجائز أن يكون معناها: لا تدركه الابصار في الدنيا وتدركه في الآخرة، وجائز أن يكون معناها: لا تدركه أبصار من يراه بالمعنى الذي يدرك به القديم أبصار خلقه، فيكون الذي نفى عن خلقه من إدراك أبصارهم إياه، هو الذي أثبته لنفسه، إذ كانت أبصارهم ضعيفة لا تنفذ إلا فيما قواها جل ثناؤه على النفوذ فيه، وكانت كلها متجلية لبصره لا يخفى عليه منها شئ. قالوا: ولا شك في خصوص قوله: لا تدركه الابصار وأن أولياء الله سيرونه يوم القيامة بأبصارهم، غير أنا لا ندري أي معاني الخصوص الأربعة أريد بالآية.
واعتلوا بتصحيح القول بأن الله يرى في الآخرة بنحو علل الذين ذكرنا قبل.
وقال آخرون: الآية على العموم، ولن يدرك الله بصر أحد في الدنيا والآخرة ولكن الله يحدث لأوليائه يوم القيامة حاسة سادسة سوى حواسهم الخمس فيرونه بها.
واعتلوا لقولهم هذا، بأن الله تعالى ذكره نفى عن الابصار أن تدركه من غير أن يدل فيها أو بآية غيرها على خصوصها. قالوا: وكذلك أخبر في آية أخرى أن وجوها إليه يوم القيامة ناظرة. قالوا: فأخبار الله لا تتباين ولا تتعارض، وكلا الخبرين صحيح معناه على ما جاء به التنزيل.
واعتلوا أيضا من جهة العقل بأن قالوا: إن كان جائزا أن نراه في الآخرة بأبصارنا هذه وإن زيد في قواها وجب أن نراه في الدنيا وإن ضعفت، لان كل حاسة خلقت لادراك معنى من المعاني فهي وإن ضعفت كل الضعف فقد تدرك مع ضعفها ما خلقت لادراكه وإن ضعف إدراكها إياه ما لم تعدم. قالوا: فلو كان في البصر أن يدرك صانعه في حال من الأحوال أو وقت من الأوقات ويراه، وجب أن يكون يدركه في الدنيا ويراه فيها وإن ضعف إدراكه إياه. قالوا: فلما كان ذلك غير موجود من أبصارنا في الدنيا، كان غير جائز أن تكون في الآخرة إلا بهيئتها في الدنيا أنها لا تدرك إلا ما كان من شأنها إدراكه في الدنيا. قالوا:
فلما كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى ذكره قد أخبر أن وجوها في الآخرة تراه، علم أنها تراه بغير حاسة البصر، إذ كان غير جائز أن يكون خبره إلا حقا.
والصواب من القول في ذلك عندنا ما تظاهرت به الاخبار عن رسول الله (ص) أنه قال:
إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر، وكما ترون الشمس ليس دونها