سحاب فالمؤمنون يرونه، والكافرون عنه يومئذ محجوبون كما قال جل ثناؤه: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. فأما ما اعتل به منكرو رؤية الله يوم القيامة بالابصار، لما كانت لا ترى إلا ما باينها، وكان بينها وبينه فضاء وفرجة، وكان ذلك عندهم غير جائز أن تكون رؤية الله بالابصار كذلك لان في ذلك إثبات حد له ونهاية، فبطل عندهم لذلك جواز الرؤية عليه، وأنه يقال لهم: هل علمتم موصوفا بالتدبير سوى صانعكم إلا مماسا لكم أو مباينا؟ فإن زعموا أنهم يعلمون ذلك كلفوا تبيينه، ولا سبيل إلى ذلك.
وإن قالوا: لا نعلم ذلك، قيل لهم: أو ليس قد علمتموه لا مماسا لكم ولا مباينا، وهو موصوف بالتدبير والفعل، ولم يجب عندكم إذ كنتم لم تعلموا موصوفا بالتدبير والفعل غيره إلا مماسا لكم أو مباينا أن يكون مستحيلا العلم به وهو موصوف بالتدبير والفعل، لا مماس ولا مباين؟ فإن قالوا: ذلك كذلك، قيل لهم: فما تنكرون أن تكون الابصار كذلك لا ترى إلا ما باينها، وكانت بينه وبينها فرجة قد تراه وهو غير مباين لها، ولا فرجة بينها وبينه ولا فضاء، كما لا تعلم القلوب موصوفا بالتدبير إلا مماسا لها أو مباينا وقد علمته عندكم لا كذلك؟ هل بينكم وبين من أنكر أن يكون موصوفا بالتدبير والفعل معلوما لا مماسا للعالم به أو مباينا وأجاز أن يكون موصوفا برؤية الابصار لا مماسا لها ولا مباينا فرق؟ ثم يسألون الفرق بين ذلك، فلن يقولوا في شئ من ذلك قولا إلا ألزموا في الآخر مثله. وكذلك يسألون فيما اعتلوا به في ذلك، إن من شأن الابصار إدراك الألوان، كما أن من شأن الاسماع إدراك الأصوات، ومن شأن المتنسم درك الأعراف، فمن الوجه الذي فسد أن يقتضى السمع لغير درك الأصوات فسد أن تقتضي الابصار لغير درك الألوان. فيقال لهم: ألستم لم تعلموا فيما شاهدتم وعاينتم موصوفا بالتدبير والفعل إلا ذا لون، وقد علمتموه موصوفا بالتدبير لا ذا لون؟ فإن قالوا نعم، لا يجدون من الاقرار بذلك بدا إلا أن يكذبوا، فيزعموا أنهم قد رأوا وعاينوا موصوفا بالتدبير والفعل غير ذي لون، فيكلفوا بيان ذلك، ولا سبيل إليه، فيقال لهم: فإذ كان ذلك كذلك فما أنكرتم أن تكون الابصار فيما