وأولى التأويلين في ذلك بالصواب عندي قول من قال: عنى بالعذاب من فوقهم الرجم أو الطوفان وما أشبه ذلك مما ينزل عليهم من فوق رؤوسهم، ومن تحت أرجلهم:
الخسف وما أشبهه. وذلك أن المعروف في كلام العرب من معنى فوق وتحت الأرجل، هو ذلك دون غيره، وإن كان لما روي عن ابن عباس في ذلك وجه صحيح، غير أن الكلام إذا تنوع في تأويله فحمله على الأغلب الأشهر من معناه أحق وأولى من غيره ما لم يأت حجة مانعة من ذلك يجب التسليم لها.
القول في تأويل قوله تعالى: أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض.
يقول تعالى ذكره: أو يخلطكم شيعا: فرقا، واحدتها شيعة، وأما قوله: يلبسكم فهو من قولك: لبست عليه الامر، إذا خلطت، فأنا ألبسه. وإنما قلت إن ذلك كذلك، لأنه لا خلاف بين القراء في ذلك بكسر الباء، ففي ذلك دليل بين على أنه من لبس يلبس، وذلك هو معنى الخلط. وإنما عنى بذلك: أو يخلطكم أهواء مختلفة وأحزابا مفترقة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10402 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أو يلبسكم شيعا الأهواء المفترقة.
10403 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أو يلبسكم شيعا قال: يفرق بينكم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أو يلبسكم شيعا قال: ما كان منكم من التفرق والاختلاف.
10404 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: أو يلبسكم شيعا قال: الذي فيه الناس اليوم من الاختلاف والأهواء وسفك دماء بعضهم بعضا.
10405 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أو يلبسكم شيعا قال: الأهواء والاختلاف.
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أو يلبسكم شيعا يعني بالشيع: الأهواء المختلفة.