الإسلام يجيز الإنسان صراحة أن يمتنع عن إعلان الحق مؤقتا وأن يؤدي واجبه في الخفاء حين يعرضه ذلك لخطر في النفس والمال والعرض وحين لا يكون للإعلان نتيجة مهمة وفائدة كبيرة. كما جاء في هذه الآية، وكما جاء في الآية 106 من سورة النحل حيث يقول: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان.
إن كتب التاريخ والحديث الإسلامي ما زالت تحفظ حكاية " عمار " وأبيه وأمه إذ وقعوا في قبضة عبدة الأصنام الذين راحوا يعذبونهم لكي يرتدوا عن الإسلام. فرفض والدا عمار ذلك فقتلهما المشركون. غير أن عمارا قال بلسانه ما أرادوا أن يقوله، ثم هرع باكيا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خوفا من الله، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إن عادوا لك فعد لهم " أي إذا قبضوا عليك مرة أخرى وطلبوا منك أن تقول شيئا فقله، وبهذا هدأ روعه وزال عنه خوفه.
لابد من الإشارة إلى أن حكم التقية يختلف باختلاف الظروف، فهي قد تكون واجبة، وقد تكون حراما، وقد تكون مباحة.
تجب التقية حيثما تتعرض حياة الإنسان للخطر دونما فائدة تذكر. أما إذا كانت التقية سببا في ترويج الباطل وضلالة الناس وإسناد الظالم فهي هنا حرام.
وهذا جواب لجميع الاعتراضات التي ترد بهذا الشأن. لو أن المعترضين دققوا في البحث لأدركوا أن الشيعة ليسوا منفردين بهذا الاعتقاد، بل أن التقية في موضعها حكم عقلي قاطع ويتفق مع الفطرة الإنسانية.
فجميع عقلاء العالم - حين يرون أنفسهم أمام طريقين: إما الإعلان عن عقيدتهم والمخاطرة بالنفس والمال والكرامة، أو إخفاء معتقداتهم - يمعنون النظر في الظروف القائمة. فإن كان الإعلان عن العقيدة يستحق كل هذه التضحية بالنفس والمال والكرامة اعتبروا إعلانها عملا صحيحا، وإن لم يكن للإعلان نتيجة تذكر تركوا ذلك.