إن الذين يختارهم الله لقيادة الناس وهدايتهم، لا بد أن يكونوا في أعلى درجة من العلم والمعرفة وأن يقدموا أسمى التعاليم والقوانين البناءة، ثم بعد ذلك عليهم أن يظهروا أدلة واضحة على علاقتهم بالله، لتوكيد مهمتهم. وبهذين الوسيلتين تكتمل عملية هداية الناس، وفي الآيات أعلاه تمت الإشارة إلى هذين الأمرين. ففي الأولى كان الكلام عن علم المسيح وكتبه السماوية. وفي الآية الثانية إشارة إلى معجزاته العديدة. ثم تبين الهدف من كل ذلك وهو هداية بني إسرائيل المنحرفين ورسولا إلى بني إسرائيل.
من الجدير بالذكر أن الآية تفيد أن رسالة عيسى كانت موجهة إلى بني إسرائيل فقط. وهذا لا يتنافى مع كونه من أولي العزم، لأن أولي العزم هم الأنبياء الذين جاؤوا بدين جديد، حتى وإن لم يكن عالمي الرسالة. وقد جاء في تفسير " نور الثقلين " حديث عن اقتصار رسالة عيسى على بني إسرائيل (1).
إلا أن بعض المفسرين يرون احتمال عالمية رسالة المسيح، وأنها لم تكن محصورة ببني إسرائيل، على الرغم من أن بني إسرائيل كانوا على رأس الذين ارسل إليهم لهدايتهم. يورد المرحوم العلامة المجلسي في " بحار الأنوار " أخبارا عن أولي العزم من الأنبياء تؤيد أنها كانت رسالات عالمية (2).
ثم تضيف الآية اني قد جئتكم بآية من ربكم وليست آية واحدة، بل آيات عديدة (لأن التنوين جاء هنا لبيان عظمة هذه الآية، لا لبيان وحدتها ".
ولما كانت دعوة الأنبياء في الحقيقة دعوة إلى حياة حقيقية، فإن هذه الآية - عند بيان معجزات السيد المسيح (عليه السلام) - تبدأ بذكر بث الحياة في الأموات بإذن الله، وتقول على لسان المسيح (عليه السلام) أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله.