لآخر لبيان سهولة الأمر عليه: إشرب هذا القدح من الماء حتى انهي هذا العمل ويريد بذلك بيان سهولته، لا أن الآخر يجب عليه أن يشرب الماء.
وأستدل أنصار النظرية الثانية بكلمة فصرهن إليك وقالوا إن هذه الجملة إذا كانت متعدية بحرف (إلى) فتكون بمعنى الأنس والميل، فعلى هذا يكون مفهوم الجملة أنه (خذ هذه الطيور وانسهى بك) مضافا إلى أن الضمائر في (صرهن) و (منهن) و (ادعهن) كلها تعود إلى الطيور، وهذا لا يكون سليما إلا إذا أخذنا بالتفسير الثاني، لأنه على التفسير الأول تعود بعض هذه الضمائر على نفس الطيور وتعود البعض الآخر على أجزائها، وهذا غير مستساغ في الاستعمال.
الجواب على هذه الاستدلالات سيأتي ضمن تفسيرنا للآية الشريفة ولكن ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن الآية تبين بوضوح هذه الحقيقة، وهي أن إبراهيم (عليه السلام) طلب من الله تعالى المشاهدة الحسية للمعاد والبعث لكي يطمئن قلبه، ولا شك أن ضرب المثل والتشبيه لا يجسد مشهدا ولا يكون مدعاة لتطمين الخاطر، وفي الحقيقة أن إبراهيم كان مؤمنا عقلا ومنطقا بالمعاد، ولكنه كان يريد أن يدرك ذلك عن طريق الحس أيضا.
والآن نبدأ بتفسير الآية ليتضح لنا أي التفسيرين أقرب وأنسب:
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى.
سبق أن قلنا إن هذه الآية تكملة للآية السابقة في موضوع البعث، يفيد تعبير أرني كيف... أنه طلب الرؤية والشهود عيانا لكيفية حصول البعث لا البعث نفسه.
قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي.
كان من الممكن أن يتصور بعضهم أن طلب إبراهيم (عليه السلام) هذا إنما يدل على تزلزل إيمان إبراهيم (عليه السلام)، ولإزالة هذا التوهم أوحى إليه السؤال: " أولم تؤمن؟ "