فإن قال: قدمتم الجواب لمن وافقكم في الاقرار بالصانع والتصديق للنبوة، فما الجواب للملحدة والبراهمة؟
قيل له: الجواب لهم أن التمكين يعتبر فيه قصد الممكن وغرضه دون ما يصلح له ما مكنه به من الأفعال، يبين ذلك أنه لو لم يعتبر فيه ما ذكرنا لم نجد في العالم ممكنا " من قتل عدوه دون نفسه ووليه، لأنه لا شئ يتمكن به من سلاح وجند وسائرها يقوى به إلا هو يصلح لقتله وقتل وليه، كما يصلح لقتل عدوه.
وكذلك الحال فيما تمكن به من طاعته وامتثال أوامره من الأموال والآلات، في أنه لا يصلح لمعصيته وارتكاب ما نهى عنه، كما يصلح لطاعته وامتثال أمره.
وفي علمنا بأن الممكن مناقد يكون ممكنا " من عدوه دون نفسه ووليه من طاعته دون معصيته، وأن الجاحد لذلك متجاهل دافع لما يعلم بالاضطرار دلالة على وجوب اعتبار قصد الممكن وغرضه، دون ما يصلح له ما مكن به.
وإذا ثبت هذا وجب اعتبار حال الممكن، فإن كان قصد بما مكن الحسن دون القبيح. قيل له: مكن من الحسن دون القبيح، وإن كان ما مكن به يصلح القبيح - وكذلك إن كان قصده بما مكن وغرضه القبيح دون الحسن قيل له:
إنه مكن من القبيح دون الحسن، وإن كان ما مكن به يصلح للحسن.
ومتى لم يعتبر هذا الاعتبار، خرج في المعنى من الإطلاق في اللغة والعرف والمعقول، ولزم أن لا يكون في العالم من يطلق عليه التمكين من الحسن دون القبيح، والطاعة دون المعصية، والنصرة دون الخذلان، وفي هذا ما قدمناه من التجاهل.
وإذا وجب اعتبار القصد والغرض في التمكين، وجب الرجوع إلى حال