يمنع من قيام الحجة علينا والإزاحة لعلمنا فكيف يعلل بالمنع لنا بما يخش (١) وتكلفتا بأن غيرنا كذب ولم يصدق وخالف ولم يجب، وهذا بعيد من القول.
على أنه قد ادعى ظهور الاعلام عليه وفعل المعجزات على يده، كالقرآن وغيره من مجئ الشجرة، وتسبيح الحصى، وحنين الجذع، وإطعام الخلق الكثير، حتى شبعوا، وسقيهم حتى ارتووا من القليل من الطعام واليسير من الشراب، فلو لم يمنع تكذيب الأولين اظهار ما ادعاه من الاعلام والمعجزات.
قيل لهم: الاعلام التي تظهر على أيدي الأنبياء والرسل ينقسم على ما يظهرها الله تعالى للدلالة على صدقهم حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة وتوجبه إزاحة العلة كسائر الأدلة التي نصبها والتمكين من النظر فيها، فالمخالف لها والمعادل عن التكليف إلى ما تقترحه الأمم عمن بعث إليهم بعد اظهار ما تقتضيه الحكمة وتوجبه المصلحة من إزاحة العلة، فحكم الله تعالى في التكذيب بها بعد إظهارها والعدول عن تصديقها المعاجلة ببعض ما يستحق عن العقاب.
فكان تقدير الكلام: وما منعنا أن نرسل بالآيات المقترحة إلا أن كذب بها الأولون بتعجيل بعض ما يستحقونه من العقاب.
وقد وعدنا رسولنا وشرفنا بأمور:
منها أن تستأصل أمته ولا تعاجلها بالعقاب، وقد ذكر الله تعالى ما اقترح على رسوله، فقال: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " أو يكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا " أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا " أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) إلى قوله ﴿قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا " رسولا﴾ (2).