وإن قالوا: هي معدومة.
قلنا: إذا كانت معدومة على الحقيقة فما يسومكم إثبات قدم لها ولا حدث لأن هذين الوصفين إنما يتعاقبان على الموجود، فكأنكم تقولون: إن الله سبحانه وتعالى جعل من هذه الهيولي المعدومة جواهر وأجساما " موجودة.
هذه موافقة في المعنى لأهل الحق القائلين: بأن الجواهر في العدم على صفة تقتضي وجوب التحيز لها متى وجدت، وأن الله سبحانه إذا أوجد هذه الجواهر، وجب لها في الوجود التحيز لما هي عليه في نفوسها من الصفة في العدم الموجب لذلك بشرط الوجود، ولا تأثير له في الصفة التي كانت عليها الجواهر في العدم.
على أن هذه الطريقة إذا صاروا إليها تقتضي أن الأجناس والأعراض كلها هيولي، لأن الدليل قد دل على أن السواد ولكل حسن في الأعراض (1) صفة ثابتة في حال العدم يقتضي كونه على صفة التي تدرك عليها إن كان مما يدرك في حال الوجود، وأن الفاعل إنما يؤثر في إحداثه وإيجاده، دون صفة التي كان عليها في حال العدم.
والقول في الأعراض كالقول في الجواهر في هذه القصة، فيجب أن يكون الجميع هيولي، لأن الطريقة واحدة، وكلام هؤلاء القوم غير محصل ولا مفهوم وهم يدعون التحديد والتحقيق، وما أبعدهم في ذلك.
تمت المسألة.