كلف الله تعالى من تكاملت فيه شروط التكليف من العقلاء.
ووجه حسن التكليف: إنه تعريض لنفع عظيم لا يوصل إليه إلا به، والتعريض للشئ في حكم إيصاله. والنفع الذي أشرنا إليه هو الثواب، لأنه لا يحسن الابتداء به وإنما يحسن مستحقا، ولا يستحق إلا بالطاعات، ولحسن تكليف من علم الله تعالى أنه يكفر، لأن وجه الحسن ثابت فيه، وهو التعريض للثواب.
وعلمه أن يكفر ليس بوجه قبح، لأنا نستحسن أن ندعوا إلى الدين في الحالة الواحدة جميع الكفار لو جمعوا لنا مع العلم بأن جميعهم لا يؤمن. ونعرض الطعام على من يغلب ظننا أنه لا يأكله، ونرشد إلى الطريق من نظن أنه لا يقبل، ويحسن ذلك منا مع غلبة الظن. وكان طريق حسنه أو قبحه المنافع والمضار قام الظن فيه مقام العلم.
ولا بد من انقطاع التكليف، وإلا لانتقض الغرض من التعريض للثواب، والحي المكلف هو هذه الجملة المشاهدة، لأن الادراك يقع بكل عضو منها، ويبتدئ الفعل في أطرافها، ويخف عليها إذا حمل باليدين ما يثقل ويتعذر إذا حمل باليد الواحدة. وما يعلم الله تعالى أن المكلف يختار عنده الطاعة ويكون إلى اختيارها أقرب، ولولاه لم يكن من ذلك يجب أن يفعله، لأن التكليف يوجب ذلك، قياسا " إلى من دعي إلى طعام وغلب على ظنه أن من دعاه إليه لا يحضر ببعض الأفعال التي لا مشقة فيها، وهذا هو المسمى (لطفا ").
ولا فرق في الوجوب بين اللطف والتمكين، وقبح منع أحدهما كقبح منع الآخر.
والأصلح فيما يعود إلى الدنيا غير واجب، لأنه لو وجب لأدى إلى وجوب ما لا يتناهى، ولكان القديم تعالى غير منفك في حال من الأحوال بالواجب.