فعل أو ترك لا لامره تعالى فهو غير صائم نعم بقي الكلام في المسألة العقلية أي لزوم تعلق التكليف بالامر الوجودي وهو كلام آخر قد طال التشاجر فيه بينهم ثم إن المصنف (ره) ذكر في البيان أن الصوم لغة الامساك وشرعا إما الامساك عن المفطرات مع النية فيكون تخصيصا للمعنى اللغوي والنية شرط أو توطين النفس على الامساك عنها فيكون نقلا عن المعنى اللغوي والنية جزء وجعله النية شرطا على التقدير الأول لعله لأجل عدم ارتكاب النقل وحكمه بجزئيه النية على التقدير الثاني لا يخلو عن شئ إذ على ما حققه في ضمن الفائدة ونقله عن الشيخ في المبسوط من بيان متعلق النية في الصوم كما ذكرنا يلزم خروج النية عن التوطين وإضمارها في التعريف واعتبار جزئيتها مع عدم اشتراطها بشرايط الصوم غير لازم وفى المسالك حكم باستلزام التوطين النية وهو أولى من حكم المصنف بجزئيتها والتقى الحلبي ره جعل متعلق النية إحداث كراهة الأمور المذكورة أي المفطرات التي عددها لكون الصوم لطفا في الجواب العقلي إن كان واجبا ولطفا في الندب العقلي إن كان ندبا وغرضه أيضا رد الصوم إلى الامر الوجودي وقوله لكون الصوم لطفا آه بيان لوجه الوجوب والندب الذي يعتبرون التعرض له في النية ولعل المراد بالواجب العقلي والندب بالعقلي تحصيل القرب الخاص بجنابه تعالى وتأدية الشكر والمصلحة المخصوصة التي تحصل من تلك العبادة للمكلف ويشيرون إلى ذلك في بحث اللطف حيث يقولون إن كان اللطف من فعل المكلف يحبب على الله تعالى أن يشعره ويوجبه عليه ونعم ما ذكره المصنف في البيان من أن العامي لا يلزمه معرفة هذا الامر الوجودي على ما ذكروه لعسر هابل هي من فرض العلماء ثم اعلم إن أمر التعريف هين جدا إذا بعد البحث عن واجبات الصوم وشرايطه يحصل التميز التام له وينكشف غاية الانكشاف البتة والغرض من التعاريف ليس إلا ذلك لن يشكل الامر في أن المكلف هل يجب عليه أن يعرف جميع مفطرات الصوم ويقصد تركها حتى يصح منه الصوم أو يكفيه معرفة البعض وعدم الاتيان بالباقي فعلى الأول يلزم فساد صوم الجاهل ببعض المفسدات كالارتماس أو تعمد القئ مثلا وإن لم يأت به في صوم وظاهر أنهم لا يقولون به كيف لا ويلزم على هذا فساد صوم أكثر العوام الذين لا يعرفون جميع المسايل المتعلقة بالصوم وكذا فساد صوم الأكابر الذين سئلوا الأئمة (عليهم السلام) عن هذه المسايل إلى حين السؤال وسماع الجواب وفساده ظاهر وعلى الثاني يلزم الحكم بصحة صوم من لم يعرف من الصوم إلا ترك الكذب على الله تعالى مثلا فصام ولم يتفق إتيانه بباقي المفطرات والتزام ذلك أيضا مشكل جدا ويرد هذا الاشكال في نظائر الصوم أيضا من العبادات المشتملة على التروك العديدة الملتئمة منها كالاحرام والظاهر أن المعتبر والمصحح في أمثاله هو قصد العبادة المخصوصة المتلقاة من الشارع بجملة شرايطها الشرعية بعد معرفة معظم التروك المعتبرة فيها مع عدم الاتيان بباقي المفسدات ولو على سبيل الاتفاق وأما العظمة وشدة الاهتمام والاعتبار فإنما يعلم بالقراين الشرعية والامارات الدينية فالمعظم في الصوم مثلا ترك الطعام والشراب حتى كأنه صار حقيقة في ذلك عند العامة من المسلمين وأما ترك الجماع وإن كان عظيما بالنسبة إلى باق التروك من حيث الذكر معهما في الكتاب الكريم ولكفر مستحله كمستحلها إلا أن يدعى شبهة ممكنة لكنه ليس في مرتبتهما من الشهرة كما يشهد به تتبع أحوال المسلمين وعرفهم ويدل عليه أيضا رواية زرارة وأبى بصير قالا جميعا سألنا أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وأتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال قال ليس عليه شئ وتلك الدلالة لو يحمل الشئ المنفى في قوله (عليه السلام) على الكفارة دون القضاء وقس عليه نظايره من العبادات ثم المراد بالثمانية هي وما في حكمها كما سيأتي مفصلا فلا يقدح في التعريف خروج بعض المفطرات طاهرا وكان الأولى بقيد الطلوع والغروب اللذين ذكرهما فيما بعد لتجديد البداية والنهاية بيوم يصح وقوع الصوم فيه شرعا حتى يتم التعريف الأكل والشرب المعتاد كأكل الخبز واللحم والفواكه وغيرها من المأكولات العادية وشرب الماء والأشربة المتداولة و غيره كأكل الحصى والبرد والتراب وأمثالها وشرب مياه الأنوار وعصارة الأشجار ونظائرها وعد ماء الورد منها كما فعله الشيخ (ره) في المبسوط مستبعد أما دليل ترك المعتاد منها فإجماع المسلمين والآية الكريمة والروايات الكثيرة للخاصة والعامة أما دليل غيره فالعمومات الواردة في الكتاب والسنة وعدم ظهور عرف واستعمال الأكل والشرب في العادي حتى يتجه التخصيص مع أن العادة قد يختلف باختلاف الاشخاص والبلدان وتجدد الدهور والأزمان وتبعية مثل هذا الحكم الشرعي الدائمي العام المتسق النظام لها واختلافه باختلافها مستعبد جدا والشهرة التي تكاد تقرب من الاتفاق وتعاضد العمومات قال العلامة (ره) في المنتهى أما ما ليس بمعتاد فذهب علمائنا إلى أنه يفطر وإن حكمه حكم المعتاد سواء تغذى به أو لم يتغذى به ونقل عن بعض العامة القول بعدم الافطار في غير المعتاد و عن أبي حنيفة القول بعدم الكفارة في غير ما يتغذى به أو يتداوى به ثم ذكر في الفرع السابع من الفروع التي ذكرها إن حكم الازدراد حكم الاكل فلو ابتلع المعتاد أو غيره أبطل صومه على ما سلف في الاكل هذا على المذهب المشهور واختار السيد المرتضى إن ابتلاع الحصاة وما أشبهها ليس بمفسد انتهى والظاهر منه على ما ترى إن السيد يفرق بين الاكل والازدراد ولعل وجه تخصيصه حينئذ جواز الابتلاع بالحصاة وما أشبهها الامر بالاجتناب الوارد في الأخبار الكثيرة عن الطعام والشراب كصحيحة محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلث خصال الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الخيط الأسود فقال بياض النهار من سواد الليل قال وكان بلال يؤذن للنبي صلى الله عليه وآله
(٣٤٠)