بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم، وقيل إثمهما قوله تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع) الآية، فهذه ذنوب يترتب عليها آثام كبيرة بسبب الخمر والميسر (نسختهما) أي الآية الأولى، وهي (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) والآية الثانية وهي (يسألونك عن الخمر والميسر) الآية (التي في المائدة) (يا أيها الذين آمنوا) (إنما الخمر والميسر والأنصاب) (الآية) الميسر القمار، والأنصاب الأصنام وهي الحجارة التي كانوا ينصبونها للعبادة ويذبحون عندها. وتمام الآيتين مع تفسيرهما هكذا (والأزلام) هي القداح التي كانوا يستقسمون بها (رجس) نجس أو خبيث مستقدر (من عمل الشيطان) لأنه يحمل عليه فكأنه عمله (فاجتنبوه) أي الرجس لأنه اسم جامع للكل كأنه قال إن هذه الأربعة الأشياء كلها رجس فاجتنبوه (لعلكم تفلحون) يعني لكي تدركوا الفلاح إذا اجتنبتم هذه المحرمات التي هي رجس (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر) يعني إنما يزين لكم الشيطان شرب الخمر والقمار وهو الميسر، ويحسن ذلك لكم إرادة أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء بسبب شرب الخمر. لأنها تزيل عقل شاربها فيتكلم بالفحش، وربما أفضى ذلك إلى المقاتلة وذلك سبب إيقاع العداوة والبغضاء بين شاربيها.
وقال قتادة: كان الرجل في الجاهلية يقامر على أهله وماله، فيقمر فيقعد حزينا سليبا ينظر إلى ماله في يد غيره فيورثه ذلك العداوة والبغضاء، فنهى الله عن ذلك (ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة) لأن شرب الخمر يشغل عن ذكر الله وعن فعل الصلاة، وكذلك القمار يشغل صاحبه عن ذكر الله وعن الصلاة (فهل أنتم منتهون) لفظة استفهام ومعناه الأمر أي انتهوا وهذا من أبلغ ما ينهى به، لأنه تعالى ذم الخمر والميسر وأظهر قبحهما للمخاطب كأنه قيل قد تلى عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع فهل أنتم منتهون مع هذه الأمور أم أنتم على ما كنتم عليه كأنكم لم توعظوا يكون ولم تنزجروا.
وفي هذه الآية دليل على تحريم شرب الخمر لأن الله تعالى قرن الخمر والميسر بعبادة الأصنام وعدد أنواع المفاسد الحاصلة بهما، ووعد بالفلاح عند اجتنابهما وقال: (فهل أنتم منتهون) كذا في تفسير العلامة الخازن. ووجه النسخ أن الآية التي في المائدة فيها الأمر بمطلق الاجتناب وهو يستلزم أن لا ينتفع بشئ من الخمر في حال من حالاته في وقت الصلاة وغير وقت الصلاة وفي حال السكر وحال عدم السكر وجميع المنافع في العين والثمن.
وأخرج أبو داود الطيالسي والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: نزل في الخمر ثلاث آيات، فأول شئ نزل (يسألونك عن الخمر والميسر) الآية فقيل حرمت الخمر، فقالوا