واحتج من قال بأن هذه الآية محكمة بأن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا وليس فيها منسوخ.
واحتج من أجاز شهادة غير المسلم في هذا الموضع بأن الله تعالى قال في أول الآية (يا أيها الذين آمنوا) فعم بهذا الخطاب جميع المؤمنين ثم قال بعده (ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) فعلم بذلك أنهما من غير المؤمنين، ولأن الآية دالة على وجوب الحلف على هذين الشاهدين وأجمع المسلمون على أن الشاهد المسلم لا يجب عليه يمين، ولأن الميت إذا كان في أرض غربة ولم يجد مسلما يشهده على وصيته ضاع ماله وربما كان عليه ديون أو عنده وديعة فيضيع ذلك كله وإذا كان ذلك احتاج إلى إشهاد من حضر من أهل الذمة وغيرهم من الكفار حتى لا يضيع ماله وتنفذ وصيته فهذا كالمضطر الذي أبيح له أكل الميتة في حال الاضطرار، والضرورات قد تبيح شيئا من المحظورات.
واحتج من منع ذلك بأن الله تعالى قال: (ممن ترضون من الشهداء) والكفار ليسوا مرضيين ولا عدولا، فشهادتهم غير مقبولة في حال من الأحوال قاله الخازن.
قلت: الآية محكمة وهو الحق لعدم وجود دليل صحيح يدل على النسخ.
وأما قوله تعالى: (ممن ترضون) الآية، وقوله: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) فهما عامان في الأشخاص والأزمان والأحوال، وهذه الآية خاصة بحالة الضرب في الأرض وبالوصية وبحالة عدم الشهود المسلمين، ولا تعارض بين خاص وعام والله أعلم.
(إن أنتم ضربتم) أي سافرتم (في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت) عطف على ضربتم وجواب الشرط محذوف أي إن كنتم في سفر ولم تجدوا مسلمين فيجوز إشهاد غير المسلمين، كذا في جامع البيان. والمعنى أي فنزل بكم أسباب الموت وقاربكم الأجل وأردتم الوصية حينئذ ولم تجدوا شهودا عليها من المسلمين فأوصيتم إليهما ودفعتم مالكم إليهما ثم ذهبا إلى ورثتكم بوصيتكم وبما تركتم فارتابوا في أمرهما وادعوا عليهما خيانة فالحكم فيه أنكم (تحبسونهما) وتوقفونهما صفة للآخران أو استئناف (من بعد الصلاة) أي بعد صلاة العصر، فإن أهل الكتاب أيضا يعظمونها، أو بعد صلاة ما، أو بعد صلاتهم (فيقسمان بالله) أي فيحلفان بالله. قال الشافعي: الأيمان تغلظ في الدماء والطلاق والعتاق والمال إذا بلغ مائتي درهم بالزمان والمكان، فيحلف بعد صلاة العصر إن كان بمكة بين الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعند المنبر، وإن كان في بيت المقدس فعند الصخرة، وفي سائر البلاد في أشرف المساجد وأعظمها بها قاله الخازن. وقال الشربيني: وعن ابن عباس أن اليمين إنما تكون إذا كانا من