قال الخطابي: في هذا حجة لمن رأى رد اليمين على المدعي والآية محكمة لم ينسخ منها في قول عائشة والحسن البصري وعمرو بن شرحبيل، وقالوا المائدة آخر ما نزل من القرآن لم ينسخ منها شئ وتأول من ذهب إلى خلاف هذا القول الآية على الوصية دون الشهادة، لأن نزول الآية إنما كان في الوصية وتميم الداري وصاحبه عدي بن بداء إنما كانا وصيين لا شاهدين والشهود لا يحلفون، وقد حلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما عبر بالشهادة عن الأمانة التي تحملاها وهو معنى قوله تعالى: (ولا نكتم شهادة الله) أي أمانة الله وقالوا معنى قوله تعالى:
(وآخران من غيركم) أي من غير قبيلتكم، وذلك أن الغالب في الوصية أن الموصي شهد أقرباؤه وعشيرته دون الأجانب والأباعد. ومنهم من زعم أن الآية منسوخة، والقول الأول أصح والله أعلم انتهى (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) أي ليشهد ما بينكم لأن الشهادة إنما يحتاج إليها عند وقوع التنازع والتشاجر.
واختلف في هذه الشهادة فقيل هي هنا بمعنى الوصية وقيل بمعنى الحضور - للوصية.
وقال ابن جرير الطبري هي هنا بمعنى اليمين أي يمين ما بينكم أن يحلف اثنان، واختار هذا القول القفال، وضعف ذلك ابن عطية واختار أنها هنا هي الشهادة التي تؤدى من الشهود أي الإخبار بحق للغير على الغير.
قال القرطبي: ورد لفظ الشهادة في القرآن على أنواع مختلفة بمعنى الحضور، قال الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وبمعنى قضى، قال تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو) وبمعنى أقر، قال تعالى (والملائكة يشهدون) وبمعنى حكم، قال تعالى: (وشهد شاهد من أهلها) وبمعنى حلف، قال تعالى: (فشهادة أحدهم أربع شهادات) وبمعنى وصى، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) انتهى.
وقال الخطيب والخازن: وهذه الآية الكريمة وما بعدها من أشكل آي القرآن وأصعبها حكما وإعرابا وتفسيرا ونظما انتهى.
وفي حاشية الجمل على الجلالين: هذه الآية واللتان بعدها من أشكل القرآن حكما وإعرابا وتفسيرا، ولم يزل العلماء يستشكلونها و ويكفون عنها حتى قال مكي بن أبي طالب في كتابه الكشف: هذه الآيات في قراءتها وإعرابها وتفسيرها ومعانيها وأحكامها من أصعب آي