وعند هؤلاء بهما جميعا. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أحق بنفسها)) يحتمل من حيث اللفظ أن المراد أحق من وليها في كل شئ من عقد وغيره كما قاله أبو حنيفة وداود، ويحتمل أنها أحق بالرضى أي لا تزوج حتى تنطق بالإذن بخلاف البكر، ولكن لما صح قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا نكاح إلا بولي)) مع غيره من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي يتعين الاحتمال الثاني واعلم أن لفظه أحق ههنا للمشاركة معناه أن لها في نفسها في النكاح حقا ولوليها حقا وحقها أوكد من حقه فإنه لو أراد تزويجها كفؤا وامتنعت لم يجبر، ولو أرادت أن تزوج كفؤا فامتنع الولي أجبر، فإن أصر زوجها القاضي، فدل على تأكد حقها ورجحانه. كذا قال النووي (والبكر تستأمر في نفسها) أي تستأذن في أمر نكاحها (وإذنها صماتها) بضم الصاد أي سكوتها يعني لا تحتاج إلى إذن صريح منها بل يكتفي بسكوتها لكثرة حيائها. قال النووي: ظاهره العموم في كل بكر وكل ولي وأن سكوتها يكفي مطلقا وهذا هو الصحيح. وقال بعض أصحابنا: إن كان الولي أبا أو جدا فاستئذانه مستحب ويكفي فيه سكوتها، وإن كان غيرهما فلا بد من نطقها لأنها تستحيي من الأب والجد أكثر من غيرهما. والصحيح الذي عليه الجمهور أن السكوت كاف في جميع الأولياء لعموم الحديث ولوجود الحياء. وأما الثيب فلا بد فيها من النطق بلا خلاف سواء كان الولي أبا أو غيره لأنه زال كمال حيائها بممارسة الرجال، وسواء زالت بكارتها بنكاح صحيح أو فاسد أو بوطء شبهة أو بزنا، ولو زالت بكارتها بوثبة أو بإصبع أو بطول المكث أو وطئت في دبرها فلها حكم الثيب على الأصح، وقيل حكم البكر والله أعلم. قال المنذري: وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة (وهذا لفظ القعنبي) هو عبد الله بن مسلمة.
(والبكر يستأمرها أبوها) ظاهره حجة على من ذهب إلى أنه يجوز للأب أن يزوج البكر البالغة بغير استئذانها. قال الحافظ في الفتح: واختلفوا في الأب يزوج البكر البالغ بغير إذنها فقال الأوزاعي والثوري والحنفية ووافقهم أبو ثور: يشترط استئذانها، فلو عقد عليها بغير استئذان لم يصح. وقال آخرون: يجوز للأب أن يزوجها ولو كانت بالغا بغير استئذان وهو قول ابن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق، ومن حجتهم مفهوم حديث الباب لأنه جعل الثيب أحق بنفسها من وليها، فدل على أن ولي البكر أحق بها منها. قال العلامة الشوكاني: يجاب عنه بأن المفهوم لا ينتهض للتمسك به في مقابلة المنطوق. قال الحافظ:
واحتج بعضهم بحديث يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى مرفوعا: ((تستأمر