وقال العيني: وقد اختلف السلف في قوله عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه) فقال قوم:
إنها منسوخة، واستدلوا بحديث سلمة وابن عمر أي الذي أخرجه البخاري وهو قول علقمة والنخعي والحسن والشعبي وابن شهاب، وعلى هذا يكون قراءتهم: (وعلى الذين يطيقونه بضم الياء وكسر الطاء وسكون الياء الثانية. وعند ابن عباس هي محكمة وعليه قراءة يطوقونه بالواو المشددة، وروي عنه يطيقونه بفتح الطاء والياء المشددتين ثم إن الشيخ الكبير والعجوز إذا كان الصوم يجهدهما ويشق عليهما مشقة شديدة فلهما أن يفطرا أو يطعما لكل يوم مسكينا وهذا قول علي وابن عباس وأبي هريرة وغيرهم انتهى. ومعنى يطوقونه أي يكلفونه، ومعنى يطيقونه أي يتكلفونه كما يظهر من كلام العيني. وقال الحافظ في الفتح: واتفقت هذه الأخبار على أن قوله: (وعلى الذين يطيقونه فدية) منسوخ وخالف في ذلك ابن عباس فذهب إلى أنها محكمة، لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير ونحوه انتهى.
(والحبلى والمرضع) أي كانت رخصة للحبلى والمرضع. قال الخطابي: مذهب ابن عباس في هذا أن الرخصة مثبتة للحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما وقد نسخت في الشيخ الكبير الذي يطيق الصوم فليس له أن يفطر ويفدي، إلا أن الحامل والمرضع وإن كانت الرخصة قائمة لهما فإنه يلزمهما القضاء مع الإطعام، وإنما لزمهما الإطعام مع القضاء لأنهما يفطران من أجل غيرهما شفقة على الولد وإبقاء عليه، وإذا كان الشيخ يجب عليه الإطعام، وهو إنما رخص له في الإفطار من أجل نفسه فقد عقل أن من يرخص فيه من غيره أولى بالإطعام وهذا على مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل. وقد روي ذلك أيضا عن مجاهد. وأما الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم فإنه يطعم ولا قضاء عليه لعجزه. وقد روي ذلك عن أنس وكان يفعل ذلك بعد ما أسن وكبر، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، ومذهب الشافعي والأوزاعي وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه في الحبلى والمرضع يقضيان ولا يطعمان كالمريض، كذلك روي عن الحسن وعطاء والنخعي والزهري. وقال مالك بن أنس: الحبلى هي كالمريض تقضي ولا تطعم والمرضع تقضي وتطعم. والحديث سكت عنه المنذري.