من النهي الصريح بالحديث الصحيح مع ما ورد من النهي عن أخذ مكان معين من المسجد لما يترتب عليه من الرياء المنافي للإخلاص وقد كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا قام له رجل عن مجلسه لم يجلس فيه انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (لا يقم أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه) قال ابن أبي جمرة هذا اللفظ عام في المجالس ولكنه مخصوص بالمجالس المباحة إما على العموم كالمساجد ومجالس الحكام والعلم وإما على الخصوص كمن يدعو قوما بأعيانهم إلى منزله لوليمة ونحوها وأما المجالس التي ليس لشخص فيها ملك ولا إذن له فيها فإنه يقام ويخرج منها ثم هو في المجالس العامة وليس عاما في الناس بل هو خاص بغير المجانين ومن يحصل منه الأذى كأكل الثوم النئ إذا دخل المسجد والسفيه إذا دخل مجلس العلم أو الحكم قال والحكمة في هذا النهي منع استنقاص حق المسلم المقتضي للضغائن والحث على التواضع المقتضي للمواددة وأيضا فالناس في المباح كلهم سواء فمن سبق إلى شئ استحقه ومن استحق شيئا فأخذ منه بغير حق فهو غصب والغصب حرام فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على سبيل الكراهة وبعضه على سبيل التحريم (قال) أي سالم (وكان الرجل يقوم لابن عمر فما يجلس فيه) وفي رواية البخاري وكان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مكانه ثم يجلس مكانه قال النووي وأما ما نسب إلى ابن عمر فهو ورع منه وليس قعوده فيه حراما إذا كان ذلك برضا الذي قام ولكنه تورع منه لاحتمال أن يكون الذي قام لأجله استحيى منه فقام عن غير طيب قلبه فسد الباب ليسلم من هذا أو رأى أن الايثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى فكان يمتنع من ذلك لئلا يرتكب أحد بسببه مكروها أو خلاف الأولى بأن يتأخر عن موضعه من الصف الأول ويؤثره به وشبه ذلك قال أصحابنا وإنما يحمد الايثار بحظوظ النفوس وأمور الدنيا دون القرب انتهى قلت وقد ورد ذلك عن ابن عمر مرفوعا أخرجه أبو داود من طريق أبي الخصيب عن ابن عمر جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
(٢١)