لكم فيها طرقا بين الجبال والأودية، وعرفكم إياها لتسلكوها " وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى " (1) أي خلق الماء وأنزله فأخرج به من الأرض أصنافا كثيرة مما ينبت منها مختلفة النفع والطعم واللون والرايحة تفكها وطعاما وبقولا، بعضها لكم وبعضها لبهائمكم، وبعضها لسقوفكم، وغير ذلك وفيه التفات " كلوا وارعوا أنعامكم " قيل حال من ضمير أخرجنا أي أخرجنا أصناف النباتات آذنين لكم في الانتفاع بها قائلين هذا القول وفيه تأمل، فيحتمل الاستيناف وكونه مفعولا له، والتقدير لتأكلوا وغيره " إن في ذلك لآيات لأولي النهى " أي فيما خلقنا لكم دلالة واضحة لذوي العقول على وجود الصانع وصفاته الثبوتية، من العلم والإرادة والقدرة حيث يتأمل في حصول هذه النباتات من الأرض اليابسة، بسقي الماء من السماء ووجود حكم فيها وأن بعضها سم قاتل، وبعضها نافع شاف من الأمراض وبعضها طعام وبعضها فاكهة وبعضها للدواب، وأن عمدة رزقهم في الدواب وأن رزقها مما لم يمكن أن يكون رزقا لهم، وهذا غاية من الحكمة والعلم والإرادة واللطف.
ففيها وفيما تقدم دلالة على إباحة الأرض والماء والنبات كلها لكل انسان بالتصرف فيها لنفسه ولأنعامه، ثم في قوله " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " دلالة على أن الانسان مخلوق من الأرض، وأنه يموت فيدفن فيها فيعود أرضا ثم يخرج منها ويخلق مرة أخرى كما خلقهم أول مرة فتكون الإعادة الجسمانية بعد العدم بالمرة حقا كما هو ظاهر غيرها من الآيات فتأمل.
وفي قوله تعالى: " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون " (2) دلالة على جواز ركوب البحر