ذلك وكأنه أيضا لا يجوزه كما يدل عليه قوله من قبل " دليل على المنع من التقليد لمن قدر على النظر والاجتهاد " لكن ظاهر كلامه الأخير أن اتباع المجتهد مطلقا ليس بتقليد فتأمل.
وبالجملة الظاهر عدم جواز ذلك إذ معلوم أن الظن الحاصل بالاجتهاد أقوى مما يحصل بالتقليد، مع ورود المنع من اتباع الظن والتقليد في القرآن كثيرا ظاهرا كما اطلعت عليه، وستطلع إنشاء الله تعالى وإن أمكن تأويله كما مر.
ووجود الدليل عليه ظاهر إذ لا إجماع فيه، وهو عمدة دليل جواز تقليدهم ولا حرج ولا ضيق المنفيين عقلا ونقلا، ولهذا اختلف في الأصول في أصل جواز التقليد ثم في مادة من يعرف صحة الدليل وفسادها هل يجوز له التقليد من غير ذكر دليل عنده والمنع هنا غير بعيد، وهو ظاهر عند من تأمل في أدلة جواز التقليد مطلقا وعدمه وتأمل في كلام المجتهدين ورأي الخبط والخلط والوهم والسهو في كلامهم كما هو شأن الانسان الغير المعصوم في المسائل الظنية، ولولا الضرر و الحرج لكان عدم جوازه مطلقا أوجه، لكن الظاهر أنه ضرر عظيم، وحرج وضيق منفي عقلا ونقلا بل غير مقدور لأكثر الناس فتأمل.
الثالثة: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون (1).
مضمون أولها قريب مما تقدم إلا أنها خاصة باعتبار المخاطب وعامة باعتبار ما يتعلق به الأكل، فإنها تشمل غير ما يخرج من الأرض أيضا والأمر للترغيب أو لإباحة أكل ما يستلذه المؤمنون ويستطيبونه ويعدونه طيبا، لا خبيثا ينفر عنه الطبع ويجزم العقل بقبح أكله مثل الدم والبول والمني والحشرات وغيرها فيفهم منه كونه ظاهرا أيضا إذ النجس خبيث وليس مما يعدونه طيبا، فهو في الدلالة على إباحة أكل جميع ما يعده العقل طيبا ولا يجد فيه ضررا ولا نجاسة ولا خبثا مما يسمى