الدليل نظر تقدم وسيجيئ، ويمكن أن يستدل كما قيل بقوله تعالى: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " (1) فافهم.
وقال في الأول: هي منسوخة بقوله " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب " وسورة المائدة ثابتة لم ينسخ منها شئ قط وهو إشارة إلى ما روي عنه صلى الله عليه وآله أنها آخر ما نزلت فحللوا حلالها وحرموا حرامها، وفيه نظر فإن التخصيص خير من النسخ على تقدير التنافي والإمكان وهو ظاهر ولأنها ليست بمرفوعة بالكلية حتى تكون منسوخة ولهذا قال القاضي: ولكنها خصت بقوله " والمحصنات الخ " وأما أصحابنا فبعضهم موافق للقاضي وبعضهم لا يجوز نكاح الكتابيات مطلقا، ويؤول آية المائدة كما في مجمع البيان، وأسند ذلك إلى الأصحاب، وقال هو مذهبنا وسيجئ في محله وبعضهم يخص جواز نكاح الكتابيات بالمنقطع دون الدوام، وسيجئ البحث عن ذلك في تفسير آية المائدة.
" حتى يؤمن " أي يصدقن بالله ورسوله ويسلمن " ولأمة مؤمنة " أي لامرأة مسلمة حرة كانت أو مملوكة " خير من مشركة " وكذا " ولعبد مؤمن خير من مشرك " فإن الناس كلهم عبيد الله وإماؤه، كذا في تفسير الكشاف والقاضي، وهو خلاف الظاهر إذ الظاهر المعنى العرفي من الأمة والعبد، وأيضا لا مبالغة فيه حينئذ والظاهر أنها المقصود والأولى " ولو أعجبتكم " وإن كان الحال أن المشركة تعجبكم وتحبونها لمالها أو لجمالها وخلقها وحسنها ونسبها، فلو بمعنى إن كما قاله القاضي والجملة حالية، والغرض الحث على المنع من المخالطة وإنكاح المشركات، وكذا الكلام في الجملة الثانية وهي قوله تعالى " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم " ولهذا علله بقوله " أولئك " فإنه بمنزلة التعليل بأن المشركين والمشركات " يدعون إلى النار " فلا ينبغي مخالطتهم، فلا يجوز مناكحتهم فإنه قد يأخذ أحد من دين صاحبه، فإنه دايما يدعوه إلى سبب دخول النار وهو الكفر والمعاصي، والشيطان يعينه على ذلك ويروجه، وأولياء الله وهم المؤمنون