في باطل كان تبذيرا، وقد أنفق بعضهم في خير فأكثر فقال له صاحبه لا خير في السرف فقال لا سرف في الخير، وعن عبد الله بن عمر: مر رسول الله صلى الله عليه وآله بسعد وهو يتوضأ فقال ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار، ومثله مروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضا.
قال في مجمع البيان: التبذير تفريق المال في ما لا ينبغي وأصله أن يفرق كما يفرق البذر، إلا أنه مختص بما يكون على سبيل الافساد، والمراد باخوان الشياطين أمثالهم في الشرارة، وهي غاية المذمة لأنه لا أشر من الشيطان أو هم أصدقاؤهم لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الاسراف، أو هم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد " وكان الشيطان لربه كفورا " كان الشيطان كافرا بربه فلا يجوز أن يطاع فإنه لا يدعو إلا إلى مثل فعله، وهي صريحة في تحريم التبذير والإسراف، و فيه مبالغة في ذلك حيث إن المبذر كالشيطان في الشر واستحقاق النار فافهم.
ثم إنه قد جعل الشيخ والشافعي كل فاسق سفيها ومبذرا، واشترطا العدالة في الرشد وزوال الحجر، ورأيت رواية حسنة في الكافي تدل على أن شارب الخمر سفيه (1) إلا أنه نقل عن الشيخ أن ذلك في ابتداء الرشد وزوال السفه، وأما إذا رشد فلا يشترط في بقاء رشده، فبعد ذلك يجوز أن يكون رشيدا وفاسقا، بل قد ادعي على ذلك الاجماع في التذكرة، وأنه قد صرح بعض الأصحاب مثل العلامة في بعض تصانيفه بأنه يشترط في الحجر وعدم جواز تصرفات السفيه المالية أن يحكم الحاكم على حجره بقوله " جعلتك محجورا عليه " ونحوه ولا يكفي في ذلك مجرد السفه كما أن المفلس كذلك، فإن مجرد زيادة الدين على المال ليس بحجر وموجب له، بل إنما يصير محجورا بعد حكم الحاكم.
ودليله أن العقل والنقل دلا على جواز تصرف العقلاء في أموالهم إلا ما خرج بالدليل، ولا دليل ههنا، وقد خرج ما انضم إليه حكم الحاكم بالإجماع، وبقي غيره تحت الجواز، وأنه يلزم الحرج والضيق فإن أكثر الناس ليسوا بخال عنه فتأمل