ظهور بطلانهما، وإن أرادوا غير ذلك فغير واضح الدليل كما عرفت.
نعم يمكن أن يقال لا استبعاد فيما نحن فيه أن يستحق الانسان ثوابا ويكون وصوله إليه موقوفا على عدم صدور منافيه منه من الردة أو يكون البقاء على الايمان شرطا لاستمراره وانتفاعه به، ويكون الاحباط عبارة عن عدم ذلك.
فدلت الآية على تحريم القتال والجهاد في الشهر الحرام، وتحريم الصد عن سبيل الله، وما عطف عليه، وعلى التحريض والترغيب على القتال وعدم جواز الارتداد، وعلى أن الاحباط بالردة موقوف على الموت عليها كما هو مذهب الشافعي فمذهب الحنفي وهو أنه الاحباط بالردة مطلقا وإن رجع ذكره في الكشاف خلاف ظاهر الآية سيما مع القول بالمفهوم كما هو مذهبه.
وعلى قبول توبة المرتد، حيث قيد الخلود في النار بالموت على الارتداد والكفر، وهو أعم من الفطري وغيره، فلا يبعد القول بقبول توبة الفطري أيضا بمعنى صحة عباداته واستحقاقه الجنة، دون خلود النار، كما هو مقتضى العقل، لأنه مكلف بالعبادات والايمان، وهو بدونها محال على الله تعالى، ولا ينافيه عدم سقوط بعض الأحكام مثل القتل بدليل الشرعي وأما النجاسة فبعيدة إلا أن يقال بالنسبة إلى غيره، وأما بالنسبة إلى نفسه فيكون طاهرا إذ لا معنى لنجاسته مع صحة عباداته المشروطة بها، كما رجحناه، إلا أن يقال أن الآية نزلت في أوائل الاسلام وما كان هناك مسلم فطري.
وقيل في سبب نزولها أنه بعث رسول الله صلى الله عليه وآله سرية من المسلمين وأمر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وآله، وذلك قبل قتال بدر بشهرين، ليرصد عير قريش، فوجدوها وفيهم عمرو بن الحضرمي وثلاثة معه فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير، وكان فيها تجارة الطايف، وكان ذلك في غرة شهر رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة، فقالت قريش: استحل محمد الشهر الحرام فشق ذلك على أصحاب السرية، وقالوا ما نبرح حتى تنزل توبتنا، فنزلت، ورد رسول الله صلى الله عليه وآله العير والأسارى