الأصنام، وكان ذلك إثما وميلا من الحق إلى الباطل، والمسلمون كانوا يعدونه كذلك، ولما انكسرت الأصنام زال ذلك، ولكن ما كان للمسلمين علم بذلك فيتحرجون منه كما كانوا. فنزلت ليدفع عنهم ذلك وأشار بقوله: " شاكر وعليم " إلى أنه يعلم أن نيتكم الخير، وأنتم الشاكرون المتعبدون، فيعاملكم معاملة الشاكرين بخلاف أهل الجاهلية، فيمكن معنى كون من تطوع: من فعل السعي الذي هو الطاعة، يعني إن فعلتم ذلك فعلتم خيرا وإحسانا، والله لا يضيع أجركم، لعلمه وقدرته على ذلك، فيكون حينئذ التطوع بمعنى الطاعة مطلقا واجبة أو مندوبة لا النافلة خاصة فإنه في الأصل من الطوع، وهو الانقياد كما مر، وهو متحقق في النفل والواجب.
وأما وجوبه وركنيته وكيفيته كما يقول به أصحابنا في الحج والعمرة مطلقا فبانضمام البيان بالسنة الشريفة من النبي والأئمة عليهم السلام ولعله بإجماع الطايفة أيضا، واحتج مالك والشافعية على الركنية بقوله صلى الله عليه وآله اسعوا! فإن الله كتب عليكم السعي. أي فرض عليكم السعي بينهما كذا في تفسير القاضي والكشاف وأنت تعلم أنه لم يدل على سوى الوجوب، وأما كونه ركنا بحيث لو ترك عمدا يبطل الحج والعمرة، فلا دلالة فيه عليه، نعم يدل على أنه واجب لا بدل له، فقول أبي حنيفة أنه واجب له بدل باطل، لأنه يقال علم الوجوب من الخبر والأصل بقاؤه، وعدم إجزاء غيره، عنه فيدل عليه الخبر والآية أيضا للخبر.
ثم إن الظاهر من الخبر أنه فرض بالقرآن فيكون المراد بأنهما من شعائر الله أنهما من علامات العبادة الواجبة وهي السعي بينهما، وبأنه لا جناح: أنه صدقة واجب عليكم قبولها كما روي في آية القصر أن القصر صدقة عليكم فاقبلوها، و هل يحب أحدكم أن يرد عليه صدقته؟ أي لا يحب بل يغتاظ فيحرم عدم القبول فيجب بالآية، وإن لم نقل بوجوبه بالآية فلا يضر، لما أشرنا إليه من أدله الوجوب وهي كثيرة ومن جهة عدم الخلاف عندنا لم ننقلها.
ونقل في مجمع البيان عن ابن عباس وأنس وأبي حنيفة أنه تطوع و