عدم وجوب الذكر، وكذا عدم شئ عليه لا يستلزم عدمه، والخبر الأول رواه عامر بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل وقف بالموقف فأصابته دهشة الناس فبقي ينظر إلى الناس ولا يدعو حتى أفاض الناس قال يجزيه وقوفه، ثم قال أليس قد صلى بعرفات الظهر والعصر وقنت ودعا؟ قلت بلى، قال فعرفات كلها موقف وما قرب من الجبل فهو أفضل، والآخرة رواه زكريا الموصلي قال سألت العبد الصالح عليه السلام عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعي أبيه أو نعي بعض ولده أي خبر موته، قبل أن يذكر الله عز وجل بشئ أو يدعو فاشتغل بالجزع والبكاء عن الدعاء ثم أفاض الناس، فقال لا أرى عليه شيئا، وقد أساء فليستغفر الله أما لو صبر واحتسب لأفاض من الموقف بحسنات أهل الموقف جميعا، من غير أن ينقص من حسناتهم شئ، وفيه دلالة على عدم حسن الجزع وحسن الاستغفار والثواب العظيم للصبر أما الأخبار الدالة على الوجوب فصحيحة وصريحة.
الرابعة: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم (1).
قيل: ارجعوا من عرفات إلى المزدلفة فهو أمر لقريش بوقوف عرفة ثم بالمزدلفة كما هو الواجب على سائرهم، فإنهم ما كانوا يقفون بعرفات مع الناس ترفعا عليهم ويقولون نحن أهل حرم الله ولا نخرج منه مثل الناس بل نقف بالمشعر فقط فأمروا بترك ذلك وفعل ما يفعله الناس وقال في مجمع البيان وهو المروي عن أهل البيت عليهم السلام ويكون " ثم " حينئذ للتفاوت بين المرتبتين، يعني إذا أفضتم من عرفات ثم ليكن افاضتكم يا قريش أيضا من عرفات كسائر الناس لا من المزدلفة فقط فإن تلك حرام وهذه واجبة، فبينهما بعد كثير، كما يقولون: أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم، للإشارة إلى تفاوت ما بين الاحسان إلى الكريم و الاحسان إلى غيره.