" واتقون " أي اتقوني وخافوني - بحذف الياء والاكتفاء بالكسرة، و هو كثير - من أن أعاقبكم واتقوا معاصي التي هي سبب العقاب أو اتقوني فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه، والمرجع واحد " يا أولي الألباب " أي يا ذوي العقول، سمي العقل باللب لأن لب كل شئ خالصه ولب الانسان عقله، وبه يفوز بالسعادات كلها، وخصهم بالخطاب لأنهم الأهل لذلك فإن قضية العقل خشية الله وتقواه فكأن من لم يتق الله لا عقل له، وهو مبرهن بالعقل والنقل، وفيه تأكيد آخر وتحريص وحث على التقوى، وأنه لا بد أن يكون المقصود منه هو الله حيث قال " واتقون " فإن التقوى إذا لم تكن لله لم تكن تقوى بل عين الفسق وأفحشه وجعله مقصودا والتبري عن كل شئ سواه، هو مقتضى العقل المجرد السليم عن شوائب الهوى فلذلك خص الخطاب بذويه.
الثالثة: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هديكم وإن كنتم من قبله لمن الظالين (1).
أي ليس عليكم ذنب وحرج وإثم في أن تطلبوا، فحذف حرف الجر عن " أن " قياسا فهو مع ما بعده منصوب بنزع الخافض و " فضلا " مفعول " تبتغوا " أي عطاء ورزقا بالتجارة، قيل كان المسلمون يتأثمون التجارة في الحج في أول الاسلام لزعمهم أن التجارة تنافي الحج، وهي فعل الجاهلية، فرفع الله سبحانه بهذه الآية الإثم عنهم بالتجارة، وقيل: كانوا يتأثمون الأجرة في الحج فرفع ذلك، وعلى التقديرين الآية صريحة في عدم المنافات بين الحج والتجارة وأخذ الأجرة معه، فلا يتخيل أنه مناف للاخلاص، ولا منافاة، فإنه يقصد بفعل الحج القربة وبما هو خارج عنه تحصيل المال، فإن العمل الذي يستحق به الأجرة مثل