بعض المخالفين بأن ارسالهم انما كان لقبض الزكاة والفتيا ونحو ذلك وهي مكابرة فان العلم حاصل بإرسال الامراء لأعم من قبض الزكاة وابلاغ الاحكام وغير ذلك ولو لم يشتهر من ذلك الا تأمير معاذ بن جبل وأمره له وقوله له انك تقدم على قوم أهل كتاب فأعلمهم ان الله فرض عليهم الخ والاخبار طافحة بان أهل كل بلد منهم كانوا يتحاكمون إلى الذي أمر عليهم فيقبلون خبره ويعتمدون عليه من غير التفات إلى قرينة وفي أحاديث هذا الباب كثير من ذلك واحتج بعض الأئمة بقوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك مع أنه كان رسولا إلى الناس كافة ويجب عليه تبليغهم فلو كان خبر الواحد غير مقبول لتعذر ابلاغ الشريعة إلى الكل ضرورة لتعذر خطاب جميع الناس شفاها وكذا تعذر إرسال عدد التواتر إليهم وهو مسلك جيد ينضم إلى ما احتج به الشافعي ثم البخاري واحتج من رد خبر الواحد بتوقفه صلى الله عليه وسلم في قبول خبر ذي اليدين ولا حجة فيه لأنه عارض علمه وكل خبر واحد إذا عارض العلم لم يقبل وبتوقف أبي بكر وعمر في حديثي المغيرة في الجدة وفي ميراث الجنين حتى شهد بهما محمد بن مسلمة وبتوقف عمر في خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له أبو سعيد وبتوقف عائشة في خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء الحي وأجيب بأن ذلك انما وقع منهم اما عند الارتياب كما في قصة أبي موسى فإنه أورد الخبر عند إنكار عمر عليه رجوعه بعد الثلاث وتوعده فأراد عمر الاستثبات خشية ان يكون دفع بذلك عن نفسه وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب الاستئذان واما عند معارضة الدليل القطعي كما في إنكار عائشة حيث استدلت بقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى وهذا كله انما يصح ان يتمسك به من يقول لا بد من اثنين عن اثنين والا فمن يشترط أكثر من ذلك فجميع ما ذكر قبل عائشة حجة عليه لانهم قبلوا الخبر من اثنين فقط ولا يصل ذلك إلى التواتر والأصل عدم وجود القرينة إذ لو كانت موجودة ما احتيج إلى الثاني وقد قبل أبو بكر خبر عائشة في أن النبي صلى الله عليه وسلم مات يوم الاثنين وقبل عمر خبر عمرو بن حزم في أن دية الأصابع سواء وقبل خبر الضحاك بن سفيان في توريث المرأة من دية زوجها وقبل خبر عبد الرحمن بن عوف في أمر الطاعون وفي أخذ الجزية من المجوس وقبل خبر سعد بن أبي وقاص في المسح على الخفين وقبل عثمان خبر الفريعة بنت سنان أخت أبي سعيد في إقامة المعتمدة عن الوفاة في بيتها إلى غير ذلك ومن حيث النظر ان الرسول عليه الصلاة والسلام بعث لتبليغ الاحكام وصدق خبر الواحد ممكن فيجب العمل به احتياطا وان إصابة الظن بخبر الصدوق غالبة ووقوع الخطأ فيه نادر فلا تترك المصلحة الغالبة خشية المفسدة النادرة وان مبنى الاحكام على العمل بالشهادة وهي لا تفيد القطع بمجردها وقد رد بعض من قبل خبر الواحد ما كان منه زائدا على القرآن فتعقب بأنهم قبلوه في وجوب غسل المرفق في الوضوء وهو زائد وحصول عمومه بخبر الواحد كنصاب السرقة ورده بعضهم بما تعم به البلوى وفسروا ذلك بما يتكرر وتعقب بأنهم عملوا به في مثل ذلك كايجاب الوضوء بالقهقهة في الصلاة وبالقئ والرعاف وكل هذا مبسوط في أصول الفقه اكتفيت هنا بالإشارة إليه وجملة ما ذكره المصنف هنا اثنان وعشرون حديثا * الحديث الأول حديث مالك بن الحويرث بمهملة ومثلثة مصغر ابن حشيش بمهملة ومعجمتين وزن عظيم ويقال ابن أشيم بمعجمة وزن أحمر من بني سعد بن ليث ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة حجازي سكن البصرة ومات بها سنة أربع وسبعين بتقديم السين
(١٩٩)