عمر في مناقبه في مراجعته لأبي موسى فيما عملوه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي أسامة لوددت لو أن حظي منها الكفاف (قوله لا أتحملها حيا وميتا) في رواية أبي أسامة أتحمل أمركم حيا وميتا وهو استفهام إنكار حذفت منه أداته وقد بين عذره في ذلك لكنه لما أثر فيه قول عبد الله بن عمر حيث مثل له أمر الناس بالغنم مع الراعي خص الامر بالستة وأمرهم أن يختاروا منهم واحدا وانما خص الستة لأنه اجتمع في كل واحد منهم أمران كونه معدودا في أهل بدر ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض وقد صرح بالثاني الحديث الماضي في مناقب عثمان وأما الأول فأخرجه ابن سعد من طريق عبد الرحمن بن أبزي عن عمر قال هذا الامر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ثم في أهل أحد ثم في كذا وليس فيها لطليق ولا لمسلمة الفتح شئ وهذا مصير منه إلى اعتبار تقديم الأفضل في الخلافة قال ابن بطال ما حاصله ان عمر سلك في هذا الامر مسلكا متوسطا خشية الفتنة فرأى أن الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين فجعل الامر معقودا موقوفا على الستة لئلا يترك الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فأخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم طرفا وهو ترك التعيين ومن فعل أبي بكر طرفا وهو العقد لاحد الستة وان لم ينص عليه انتهى ملخصا قال وفي هذه القصة دليل على جواز عقد الخلافة من الامام المتولي لغيره بعده وان امره في ذلك جائز على عامة المسلمين لاطباق الصحابة ومن معهم على العمل بما عهده أبو بكر لعمر وكذا لم يختلفوا في قبول عهد عمر إلى الستة قال وهو شبيه بايصاء الرجل على ولده لكون نظره فيما يصلح تم من غيره فكذلك الامام انتهى وفيه رد على من جزم كالطبري وقبله بكر بن أخت عبد الواحد وبعده ابن حزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر قال ووجهه جزم عمر بأنه لم يستخلف لكن تمسك من خالفه باطباق الناس على تسمية أبي بكر خليفة رسول الله واحتج الطبري أيضا بما أخرجه بسند صحيح من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم رأيت عمر يجلس الناس ويقول اسمعوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) ونظيره ما في الحديث الخامس من قول أبي بكر حتى يرى الله خليفة نبيه ورد بأن الصيغة يحتمل أن تكون من مفعول ومن فاعل فلا حجة فيها ويترجح كونها من فاعل جزم عمر بأنه لم يستخلف وموافقة ابن عمر له على ذلك فعلى هذا فمعنى خليفة رسول الله الذي خلفه فقام بالامر بعده فسمى خليفة رسول الله لذلك وان عمر أطلق على أبي بكر خليفة رسول الله بمعنى انه أشار إلى ذلك بما تضمنه حديث الباب وغيره من الأدلة وان لم يكن في شئ منها تصريح لكن مجموعها يؤخذ منه ذلك فليس في ذلك خلاف لما روى ابن عمر عن عمر وكذا فيه رد على من زعم من الراوندية ان النبي صلى الله عليه وسلم نص على العباس وعلى قول الروافض كلها انه نص على علي ووجه الرد عليهم اطباق الصحابة على متابعة أبي بكر ثم على طاعته في مبايعة عمر ثم على العمل بعهد عمر في الشورى ولم يدع العباس ولا علي انه صلى الله عليه وسلم عهد له بالخلافة وقال النووي وغيره اجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لانسان حيث لا يكون هناك استخلاف غيره وعلى جواز جعل الخليفة الامر شورى بين عدد محصور أو غيره وأجمعوا على أنه يجب نصب خليفة وعلى ان وجوبه بالشرع لا بالعقل وخالف بعضهم كالأصم وبعض الخوارج فقالوا لا يجب نصب الخليفة وخالف بعض المعتزلة فقالوا يجب بالعقل لا بالشرع وهما باطلان اما الأصم فاحتج ببقاء الصحابة
(١٧٨)